الثالث : فيما إذا علمنا بوجوب الوضوء إمّا نفسا أو مقدّمة للصلاة التي لم يكن وجوبها فعليّا لحيض أو نفاس ، ومقتضى القاعدة فيه البراءة ، وذلك واضح (١).
بقي أمران :
الأوّل : أنّ المشهور أنّ ترتّب الثواب على الواجبات النفسيّة يكون بالاستحقاق لا بالتفضّل.
وخالف في ذلك المفيد (١) قدسسره ، وتبعه شيخنا الأستاذ (٢) وجماعة من المحقّقين ، فالتزموا بأنّه بالتفضّل لا بالاستحقاق ، نظرا إلى أنّ وجوب إطاعته وترك مخالفته ممّا يحكم به العقل قطعا ، والعبد ليس أجيرا في العمل على وفق العبوديّة حتى يستحقّ منه شيئا ، ويكون له مطالبته ، وهكذا التائب لا يستحقّ العفو ، فإنّ التوبة واجبة عليه بحكم العقل فورا ، فإذا تاب عمل بوظيفته ، ومن المعلوم أنّ هذا لا يوجب العفو وسقوط معاصيه السابقة ، فإعطاء الثواب وعفو التائب وكونه كمن لا ذنب له من باب التفضّل لا غيره.
أقول : والحقّ أنّ النزاع بين الفريقين لفظي ، حيث لا يظنّ بأحد أن يلتزم
__________________
(١) أقول : إجراء البراءة عن وجوب الوضوء ، النفسيّ في هذا القسم صحيح لا إشكال فيه إلّا أنّ المسألة ليست ممّا نحن فيه ، وأنّها خلف الفرض.
توضيحه : أنّ وجوب الوضوء ، الغيري ليس من أطراف المعلوم بالإجمال في هذا الفرض ، لكون المرأة حائضا ومع كونها حائضا لم تكن الصلاة واجبة قطعا ، فلم تكن مقدّمتها أيضا واجبة ، فيبقى في البين احتمال وجوبه النفسيّ ، وهو شبهة بدوية ، فليس لنا العلم بأنّ الوضوء إمّا واجب نفسا ، وإمّا واجب غيرا ، كما هو المدّعى والمفروض ، فإنّا نعلم بعدم وجوبه الغيري ، ونشكّ في وجوبه النفسيّ. وبعبارة أخرى : أصل الوجوب ليس معلوما ، بل هو محتمل. (م).
(٢) انظر أوائل المقالات (ضمن مصنّفات الشيخ المفيد) ٤ : ١١١.
(٣) أجود التقريرات ١ : ١٧٢.