طبقها ، ففي جميع الآنات ـ التي لو سئل عن وجه الاكتفاء بصلاة الجمعة ، أجاب بأنّي استندت إلى الأمارة التي أمرني الشارع باتّباعها ـ يتدارك ما فات عنه من المصلحة ، فإن كان استناده في وقت الفضيلة فقط وبعد خروجه تبيّن وجوب صلاة الظهر وأنّ الأمارة لم تصادف الواقع ، فيجب عليه صلاة الظهر في الوقت ، ويتدارك ما فات عنه من مصلحة إدراك وقت الفضيلة ، وإن كان استناده إلى أن خرج الوقت وبعد ذلك تبيّن مخالفة الأمارة للواقع ، فيجب عليه قضاء صلاة الظهر ، فإنّ المتدارك حينئذ هو مصلحة الوقت فقط لا مصلحة أصل الصلاة ، وإن استند إليها إلى أن مات ، فالمتدارك مصلحة أصل الصلاة.
والحاصل : أنّ التدارك إنّما يكون بمقدار فات عنه مصلحة الواقع من ناحية الأمارة ووقع في خلاف الواقع بسبب العمل بها بمقتضى أمر الشارع باتّباعها ما دام المكلّف بقايا على صفة الجهل ولم ينكشف له الخلاف ، فعلى هذا ما يفوت عن المكلّف بواسطة التعبّد بالأمارة يتدارك ، والباقي لا بدّ للمكلّف من إدراكه ، ولو فات فليس إلّا بتفويت نفس المكلّف لا من ناحية التعبّد بالأمارة ، فأين هناك (١) تفويت مصلحة أو الإلقاء في مفسدة؟
هذا كلّه بناء على السببيّة ، أمّا بناء على الطريقيّة المحضة وأنّ قيام الأمارة
__________________
(١) أقول : نعم ، إن كان القول بالمصلحة السلوكية صحيحا ، فالإشكال مندفع ، لكنّ الحقّ أنّ المصلحة السلوكية ترجع إلى التصويب المعتزلي ، وحيث إنّه باطل ، فلا يدفع الإشكال بها أيضا ، وذلك أنّ الواجب إذا كان هو الظهر في الواقع وقامت الأمارة على الجمعة ، فإن كان في السلوك على طبق الأمارة ـ وهو ليس إلّا إتيان الجمعة ـ مصلحة ملزمة بحيث تتدارك الفائتة الموجودة في الظهر ، فجعل الوجوب التعييني للظهر ، المشترك بين العالم والجاهل جزاف وترجيح بلا مرجّح ، فإنّ اللازم هو جعل الوجوب التعييني ، للعالم بالظهر والتخييري لمن قامت عنده الأمارة ، وهذا هو التصويب المعتزلي ، فإنّ التعيين تغيّر بقاء إلى التخيير ، فالتصويب منحصر في الاثنين لا ثالث لهما. (م).