إلى أنّ ما بأيدينا من الأمارات غير العلميّة كلّها طرق عقلائيّة زاد فيها أو نقص عنها الشارع شيئا ، وليست ممّا اخترعها الشارع من عند نفسه.
هذا كلّه في المحذور الملاكي. أمّا المحذور الخطابي ـ الّذي هو اجتماع المثلين في صورة المصادفة ، والضدّين في صورة المخالفة ـ فالجواب عنه ـ فيما إذا أصابت الأمارة الواقع بأن كان الواقع واجبا مثلا وقامت الأمارة على وجوبه أيضا ـ واضح ، إذ تارة ليس في البين إلّا مصلحة واحدة ، وهي مصلحة الواقع ، وحينئذ تكون الأمارة كاشفة عن الواقع ومظهرة له ، وليس مؤدّاها إلّا نفس الحكم الواقعي ، غاية الأمر أنّه لم يصل إلى المكلّف بنفس خطاب المولى ، ووصل إليه بالأمارة ، فالتعدّد في الإنشاء وفي الموصل لا في نفس الحكم ، وهذا كما إذا قال المولى : «أكرم زيدا» ولم يعرف العبد أنّه من هو؟ فقال : «أكرم أبا عمرو» فلم يعرفه أيضا ، فقال : «أكرم أخا خالد» فقد جعل المولى وجوب الإكرام على ذمّة عبده لكنّه حيث لم يصل إليه بالخطاب الأوّل أراد إيصاله بخطاب آخر وهكذا ، فليس في هذا الفرض إلّا حكم واحد ، وهو الحكم الواقعي ، فأين اجتماع المثلين؟
وأخرى تكون المصلحة متعدّدة ، وحينئذ وإن كان الحكم أيضا متعدّدا بحسب الظاهر ، فإنّ المصلحة الملزمة التي تكون في الواقع دعت المولى إلى جعل الوجوب له ، وهكذا المصلحة الملزمة التي تكون في العمل بالأمارة أيضا دعت المولى إلى إيجابه ، إلّا أنّه لا مناص من الالتزام بتأكّد الحكم ، وهذا كما في العامّين من وجه أو العامّ والخاصّ المطلقين ، المحكومين بحكم واحد ، فإنّ مورد الاجتماع أو الخاصّ يتأكّد الحكم فيه ، ومثّلنا له سابقا بما إذا قال : «أكرم العلماء» ثم قال : «أكرم العدول» فإنّ العالم العادل يتأكّد وجوب إكرامه ، و «أكرم العالم بالعلوم الشرعيّة» و «أكرم الفقيه» فإنّ الفقيه حيث إنّه ينطبق عليه كلا