وقد أورد عليه أوّلا : بأنّه على تقدير تماميّته مختصّ بالأصول العمليّة ، التي أخذ في موضوعها الشكّ ، لا الأمارات التي حاكية عن حكم نفس الواقع ، ومؤدّاها هو الحكم الثابت لذات الفعل بعنوانه الأوّلي لا بعنوان أنّه مشكوك الحكم ، كما هو ظاهر.
وثانيا : بأنّه لا يتمّ في الأصول أيضا ، إذ لازمه التصويب ، وأنّ الواقع في ظرف الشكّ خال عن الحكم الواقعي ، وهو باطل جزما ، بل الخطابات عامّة وشاملة للعالمين بها والجاهلين إمّا بالإجماع والضرورة ، كما هو الّذي اختاره قدسسره ، أو بنتيجة الإطلاق ، كما هو مسلك شيخنا (١) ، أو بالإطلاق اللحاظي ، كما اخترناه سابقا ، وبعد ما كان الحكم الواقعي مطلقا غير مقيّد بالعلم والجهل ، وشاملا للمشكوك أيضا ، فهو محكوم بحكمين متضادّين : الواقعي ، والظاهري لا محالة ، فلا تندفع الشبهة بهذا الجواب أصلا لا في الأصول ولا في غيرها من الأمارات.
ومنها : ما أفاده صاحب الكفاية ـ قدسسره ـ فيها وفي حاشيته على الرسائل ، وهو : أنّ الأحكام الواقعيّة أحكام شأنيّة ـ وفي بعض تعبيراته أحكام إنشائيّة ـ وربّما يعبّر عنها بأحكام فعليّة من بعض الجهات ، بمعنى أنّها لو علم بها لتنجّزت ، بخلاف الأحكام الظاهريّة ، فإنّها أحكام بعثيّة أو زجريّة ، ومن المعلوم أنّه لا مضادّة بين الحكم الفعلي البعثي و [الإنشائيّ] الزجري ، وإنّما المضادّة تكون بين الحكمين الفعليّين (٢).
وهذا الجواب ممّا لا يفيد شيئا ، فإنّ المراد من الحكم الشأني إن كان الحكم الاقتضائي ، بمعنى أنّ شرب التتن ـ مثلا ـ فيه ملاك الحرمة ومقتضيها
__________________
(١) أجود التقريرات ٢ : ٧٢.
(٢) كفاية الأصول : ٣١٩ ـ ٣٢٠ ، حاشية فرائد الأصول : ٣٦.