التي موضوعها البيان واللابيان ، والأحكام العقليّة غير قابلية للتخصيص ، فإذا حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان ، فلا يمكن للشارع العقاب مع عدم البيان إلّا أن يقلبه بالبيان تعبّدا ، أو أخرج المورد عن موضوع حكم العقل ، فجعل المنجّزيّة للأمارة بدون أن يجعلها بيانا وعلما تعبّدا مع عدم البيان وجدانا تخصيص للحكم العقلي ، وأنّ العقاب بلا بيان قبيح في كلّ مورد إلّا عند قيام الأمارة التي لا تكون بيانا لا وجدانا ولا تعبّدا على الفرض ، فإنّه غير قبيح بحكم الشرع ، وجعله المنجّزيّة لها ، بمعنى صحّة احتجاج المولى على العبد وحسن عقابه على مخالفتها ، وهو باطل بالضرورة.
والحاصل : أنّه لا مناص عن الالتزام بأنّ المجعول في باب الأمارات هو نفس العلم والإحراز والبيان ، وأمّا المنجّزيّة والمعذوريّة من الآثار العقليّة التي تترتّب عليه قهرا ولا تكون قابلة للجعل. هذا في الأمارات.
وهكذا الكلام في الأصول المحرزة ، فإنّها أيضا مشتركة مع الأمارات فيما نحن بصدده ، وهو اعتبار الشارع المكلّف عالما بالحكم ، وإلغاء شكّه في مواردها ، والحكم بفرضه عالما ـ مع كونه شاكّا ـ وعمله عمل العالم والمتيقّن وإن كان بينهما فرق من جهة أخذ الشكّ في موضوعها ، ولذا تقدّم الأمارات عليها مع أنّها أيضا ـ كالأمارات ـ طرق عقلائيّة أمضاها الشارع وزاد بها أو نقص عنها شيئا.
فاتّضح أنّ المجعول في باب الأمارات والأصول المحرزة ليس حكما تكليفيّاً حتى يتوهّم التضادّ بينه وبين الحكم الواقعي. وهذا كله ممّا لا إشكال فيه.
وإنّما الإشكال في الأصول غير المحرزة ، فإنّه ربما يتوهّم اجتماع الضدّين في صورة مخالفة الأصل للواقع ، كما إذا كان الفعل في الواقع محكوما