وأمّا ما ذكره من كون الترخيص الظاهري حيث أخذ في موضوعه الشكّ باعتبار كونه موجبا للحيرة له لا يكون مضادّا للحكم الواقعي ، وإنّما هو نظير حكم العقل بالترخيص في مورد حكمه بقبح العقاب بلا بيان ، ففيه : أنّ العقل في مورد عدم البيان لا يحكم إلّا بالمعذّرية والمنجّزيّة ، وأنّ العقاب قبيح مع عدم البيان ، لا أنّه يحكم بالترخيص حتى يتوهّم التضادّ ، بخلاف الشارع ، فإنّه حكم بالترخيص حقيقة مع أنّه في الواقع حرام ، فكيف يجتمعان!؟
وما أفاده من اختلاف الرتبة لا يفيد في رفع غائلة التضادّ ، إذ لا ريب في أنّ الحكم الواقعي مطلق بالقياس إلى الشاكّ إمّا بالإطلاق اللحاظي ، كما هو المختار ، أو بنتيجة الإطلاق ، كما هو مختاره قدسسره ، ولا فرق في ذلك بين أخذ الشكّ في موضوع الحكم الترخيصي الظاهري من حيث صفتيّته ، أو من حيث كونه موجبا للحيرة ، وإذا كان الحكم الإلزاميّ الواقعي مطلقا ومحفوظا في هذه المرتبة أيضا فكيف يجتمع مع الترخيص الظاهري!؟
فالتحقيق في الجواب أن يقال : إنّ الحكم المجعول حقيقته ليست إلّا الاعتبار النفسانيّ إمّا اعتبار اللابدّية وجعل الفعل على ذمّة العبد وعهدته ، كما في الحكم الإيجابي ، أو نقيضه كما في الحكم التحريمي ، أو كون اختيار الفعل والترك بيده ، كما في الحكم الترخيصي ، وهذا المعنى ممكن ومحقّق في العرف ، فيعتبر المال على الذمّة ، ويجعل الواجب على الذمّة بالنذر ويقال : «لله عليّ كذا» ففي الحقيقة الواجب دين لله تبارك وتعالى على ذمّة العبد ، ولذا أطلق الدّين على الواجبات في بعض الأخبار ، مثل قوله عليهالسلام : «دين الله أحقّ بأن يقضي» (١) على المسموع.
__________________
(١) صحيح البخاري ٢ : ٢٩٤ ـ ١٩٥٣ ، صحيح مسلم ٢ : ٨٠٤ ـ ١٥٥ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٥٥.