باب العلم في أمثال زماننا قطعيّ ، فالطريق منحصر في العلميّ ، وحيث إنّ العمدة منه هي الأخبار فبعد عدم حجّيّة الظواهر ينسدّ الطريق العلميّ لنا ، إذ الأخبار المتواترة أو المحفوفة بالقرائن القطعيّة نادرة جدا ، وبقيّة الأخبار ليست بحجّة إمّا من جهة الدلالة أو من جهة السند (١).
وقد استدلّ ـ قدسسره ـ لإثبات ما ذهب إليه بوجوه :
الأوّل : أنّ حجّيّة الظهورات مبنيّة على أصالة عدم الغفلة ، التي بنى عليها العقلاء ، وهي لا تجري إلّا بالنسبة إلى المقصودين بالإفهام ، وذلك لأنّه لو فرضنا أنّ المتكلّم في مقام بيان مراده ، وأنّ السامع في مقام الاستماع وفهم مراده ، وتكلّم بكلام له ظاهر ، ولم يظهر قرينة على خلافه ، فاحتمال إرادة خلاف الظاهر مع عدم نصب القرينة عن عمد مدفوع بأنّه خلاف المفروض ، إذ المفروض أنّ المتكلّم في مقام البيان ، فينحصر احتمال إرادة خلاف الظاهر من دون نصب القرينة في الغفلة عن نصبها أو غفلة السامع عن استماعها والالتفات إليها ، وكلاهما مدفوع بأصالة عدم الغفلة ، التي عليها بناء العقلاء في أمورهم ، وحينئذ إنّما تتمّ حجّيّة الظهور بالنسبة إلى من قصد إفهامه. وأمّا بالنسبة إلى من لم يقصد إفهامه فأصالة عدم الغفلة غير جارية في حقّه ، لعدم كونه مقصودا بالإفهام حتى يجب على المتكلّم نصب قرينة على إرادة خلاف الظاهر ، ولعلّ بينه وبين من قصد إفهامه قرينة كانت مختفية على غيره.
وفيه : أنّ أصالة عدم الغفلة وإن لم تكن جارية في حقّ غير من قصد إفهامه إلّا أنّها ليست أصلا لأصالة الظهور ، بل كلّ منهما أصل مستقلّ أجنبيّ عن الآخر ، وبينهما عموم من وجه ربّما يجتمعان وربما يفترقان ، فتجري أصالة
__________________
(١) قوانين الأصول ١ : ٣٩٨ و ٤٠٣ و ٤٥١ ـ ٤٥٢ و ٢ : ١٠٣.