وهذه الوجوه كليّها راجعة إلى منع الصغرى ، واستدلّ على منع الكبرى وأنّ ظهور القرآن ليس بحجّة بوجهين آخرين :
أحدهما : أنّه منع عن اتّباع المتشابه ، والمراد به هو ما يحتمل لمعان متعدّدة يشتبه بعضها ببعض ، فيشمل الظواهر أيضا ، فلا تكون حجّة ، لمنع الشارع عن اتّباعها ، ولا أقلّ من إجمال لفظ المتشابه ، فلا يكون حجّة ، ولا يجوز العمل به ، للشكّ في ترخيص المولى وإذنه فيه ، فيكون العمل به تصرّفا في سلطان المولى.
ثانيهما ـ وهو العمدة ـ : ورود الأخبار المتواترة الدالّة على المنع عن تفسير القرآن بالرأي ، فإنّها تشمل حمل الظاهر في معنى على ما هو الظاهر فيه ، فلا يكون حجّة ، لكونه تفسيرا بالرأي.
والتحقيق في الجواب : أمّا عن الأخير : فبأنّ هذه الأخبار المانعة عن العمل بالظواهر معارضة بالأخبار الكثيرة المستفيضة بل المتواترة الدالّة على وجوب التمسّك بالقرآن والعمل بما فيه والعرض عليه وردّ الشروط المخالفة له ، كخبر الثقلين ، وكذلك ما يدلّ على تمسّك الأئمّة عليهمالسلام بظواهر الكتاب ، كآية الوضوء وغيرها ، وحينئذ لا بدّ من حمل الطائفة الأولى على أحد أمرين على سبيل منع الخلوّ : إمّا على استقلال بالأخذ بالقرآن من دون مراجعة إلى ما ورد من الأئمّة عليهمالسلام في تفسيره ، كما يشهد عليه جملة من الأخبار ، كما في الخبر الواردة في ردع أبي حنيفة وقتادة (١) ، أو على حمل اللفظ على خلاف ظاهره ، أو على بعض الوجوه المحتملة بمجرّد التشهّيات النفسانيّة والاعتبارات الظنّيّة التي لا دليل على اعتبارها ـ كالقياس والاستحسان ـ من دون مراجعة إلى
__________________
(١) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ١٣٢ ، الهامش (١ و ٢).