جعل الطريقيّة لها وإعطاء صفة الطريقيّة الفاقد لها إيّاها ، وبعد إعطاء صفة الطريقيّة والكاشفيّة تكون حال الطريق الجعلي حال الطريق الوجداني بلا تفاوت بينهما ، كما لا يخفى.
فظهر أنّ النزاع لا يختصّ بمخالفة القطع غير المصادف للواقع ، بل يعمّ مخالفة كلّ منجّز للحكم على تقدير عدم إصابته للواقع.
أمّا الكلام في المقام الأوّل من الجهة الأصوليّة ـ وهو شمول إطلاقات الأدلّة للمقطوع ، وعدمه ـ فالقائل بالشمول قدّم لإثبات ذلك مقدّمات ثلاثا :
الأولى : أنّ الخطابات ـ التي تكون بنحو القضايا الحقيقيّة وتعلّق الحكم فيها بالموضوعات المقدّر وجودها ـ يكون متعلّق الحكم فيها هو الحصّة الاختياريّة ، فما يكون خارجا عن تحت اختيار المكلّف ـ مثل وجود الخمر والماء ، فما يكون خارجا عن تحت اختيار المكلّف ـ مثل وجود الخمر والماء ، وهكذا خمريّة المائع ومائيّته ـ خارج عن حيّز الخطاب ، ففي قضيّة «لا تشرب الخمر» يكون متعلّق النهي هو الشرب الاختياري ، وأمّا خمريّة المائع وانطباق الخمر وصدقه عليه فلا بدّ وأن يكون مفروض الوجود.
الثانية : أنّ الغرض من البعث والزجر ليس إلّا الانبعاث إلى ما بعث إليه والانزجار عمّا زجر عنه ، ومن المعلوم أنّ المحرّك لإرادة العبد واختياره هو العلم بالموجود الخارجي وحضوره في النّفس ، لا نفس الموجود الخارجي ، ضرورة أنّ العطشان مع كمال ميله ونهاية شوقه إلى الماء لا تتحرّك عضلاته نحو الماء الخارجي ما لم يعلم بوجوده ، بل ربّما يموت عطشا مع حضور الماء عنده ، والإنسان لا يفرّ من الأسد الخارجي ما لم يعلم به بل ربّما يفترسه لذلك.
والحاصل : أنّ العلّة للانبعاث والانزجار هو الوجود العلمي ، كان له مطابق في الخارج أم لم يكن ، ونفس صفة العلم والصورة النفسانيّة ، لها مدخليّة في تحريك إرادة العبد واختياره.