لم يعملوا بها ، كما أنّ إعراضهم عن رواية ـ مع علمهم بصحّة سندها ـ كاشف عن كونها ضعيفة عندهم بوجه لا نعلمه.
نعم ، لا بدّ من علمهم بالضعف في الأوّل والقوّة في الثاني ، لكونها بمرأى ومسمع منهم ، وإلّا لا تكون جابرة أو كاسرة.
وأمّا الشهرة الفتوائيّة : فهي أن تكون الفتوى بشيء مشهورة بين العلماء من دون الاستناد إلى رواية ، وقد اختلف في حجّيّتها ، فقيل بحجّيّتها لوجوه :
منها : إطلاق قوله عليهالسلام في مرفوعة زرارة : «خذ بما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذّ النادر» وعموم التعليل في مقبولة ابن حنظلة «فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه» فإنّ المراد هو الشهرة لا الإجماع بقرينة قوله : «ودع الشاذّ النادر» وإطلاق الأوّل وعموم الثاني يشمل الشهرة الفتوائيّة ، فإنّ الصلة معرّفة للموصول ، فكأنّه قال : «خذ بالمشهور والمجمع عليه».
وقد أجاب الشيخ (١) ـ قدسسره ـ عنه أوّلا : بأنّ المراد من الشهرة ليس هو الشهرة الاصطلاحيّة ، بل هي بمعناها اللغوي ، وهو الظهور والوضوح عند كلّ أحد بحيث لا ينكره، من قولنا : «شهر فلان سيفه» أي سلّ ، بقرينة إدخاله عليهالسلام المشهور في «بيّن الرشد» وخلافه في «المشكل» الّذي يردّ علمه إليهم في ذيل الحديث ، فالمراد بالمشهور هو الواضح الظاهر ، ومن الواضح أنّ الشهرة في الرواية حيث إنّها من الأمور الحسّيّة توجب فيها الظهور والوضوح.
وأمّا الفتوى : فحيث إنّها مبنيّة على الحدس والاجتهاد لا تكون الشهرة موجبة للظهور ولا لوضوح أنّها على الرشد ، لما ذكرنا من أنّه كلّما زاد الخبر في الأمر الحسّي يوجب بعد الاحتمال حتى يصل إلى مرتبة القطع ، بخلاف الإخبار
__________________
(١) انظر : فرائد الأصول : ٦٦.