فصل :
في حجّيّة الخبر الواحد.
فنقول : إنّه من أهمّ المباحث الأصوليّة ، إذ الأدلّة القطعيّة ـ كالخبر المتواتر والمحفوف بالقرينة القطعيّة والإجماع ونحوها ـ في غاية الندرة ، وليست الخصوصيّات الواقعة في العبادات والمعاملات ـ كوجوب السورة والإقامة ـ ممّا نطقت بها تلك الأدلّة القطعيّة ، فباب العلم بالأحكام منسد قطعا ، ويبقى باب العلميّ ، فلو قلنا بعدم حجّيّة أخبار الآحاد يصير باب العلميّ أيضا منسدّا ، فلا بدّ من الالتزام بوجوب العمل بالظنّ ، بخلاف ما إذا قلنا بحجّيّة الأخبار ، فإنّه حينئذ يصير باب العلميّ مفتوحا ، وينسدّ باب الانسداد ، فهو من أهمّ المسائل الأصوليّة ، وله ثمرات عمليّة ، فلا وجه للإشكال في كونها من المسائل الأصوليّة من جهة أنّ المسألة الأصوليّة هي ما يبحث فيها عن أحوال الأدلّة التي هي موضوع علم الأصول ، والخبر الحاكي عن السنّة ليس من الأدلّة الأربعة ، فلا يكون البحث عنه بحثا عن أحوال الأدلّة.
وذلك لأنّ كونه من المسائل الأصوليّة ممّا لا إشكال فيه ، فلا بدّ من اتّخاذ الموضوع على وجه ينطبق عليه أيضا ، إذ الموضوع للعلم ليس إلّا ما ينتزع عن موضوعات مسائله ، وكون هذا البحث من المسائل واضح ، فلا بدّ من انتزاع أمر ينطبق عليه وجعله هو الموضوع ، أو أن يفرض أوّلا الموضوع شيئا ثمّ تطبّق المسائل عليه ، ويحكم بخروج بعض المسائل عن العلم ، إذ لا بدّ من ردّ المتشابه إلى المحكم لا العكس ، فإذا كان هذا البحث من المسائل قطعا ، فلا بدّ من أخذ الموضوع على وجه يصحّ انطباقه عليه أيضا.