ولا يخفى ما فيه.
أمّا أوّلا : فلأنّ جهة البحث في المقام ليست هي أنّ السنّة هل نزّل منزلتها شيء أم لا؟ بل جهة البحث إنّما هي أنّ الخبر هل هو حجّة ومنزّل منزلة السنّة أم لا؟ فيكون البحث عن أحوال الخبر لا السنّة.
وثانيا : قد ذكرنا في أوّل بحث الظنّ أنّ الشارع لم ينزّل شيئا منزلة شيء ، لا المؤدّى منزلة الواقع ، ولا الظنّ منزلة القطع ، والمجعول في باب الأمارات ليس هو التنزيل لا في المؤدّى ولا في نفس الظنّ ، وإنّما المجعول فيها هو اعتبار الطريقيّة للظنّ ، فالتنزيل فيها أمر لا واقع له ، هذا.
ثمّ إنّه اختلف في حجّيّة الخبر الواحد وعدمها ، فذهب السيّد والقاضي وابن زهرة وابن إدريس والطبرسي إلى عدم الحجّيّة (١) ، بل ادّعى بعضهم الإجماع وضرورة المذهب على عدمها ، نظير القياس ، وذهب المشهور إلى حجّيّته.
واستدلّ المانعون بوجوه :
منها : الإجماع.
ولا يخفى أنّه موهون أوّلا : بقيام الشهرة القطعيّة على خلافه.
وثانيا : أنّ المحصّل منه غير حاصل ، والمنقول منه لا يكون حجّة في المقام ولو كان حجّة في غيره ، وذلك لأنّ حجّيّة الإجماع متوقّفة على حجّيّة الخبر الواحد ، إذ لو لم نقل بحجّيّة الخبر عن حسّ فعدم حجّيّته إذا كان عن حدس بطريق أولى ، وأمّا لو قلنا بحجّيّة الخبر ، فإن قلنا بشمول دليلها للخبر الحدسي أيضا ، يكون موجبا لحجّيّة الإجماع المنقول ، فحينئذ حجّيّة الإجماع
__________________
(١) الذريعة إلى أصول الشريعة ٢ : ٥٢٨ ، المهذّب ٢ : ٥٩٨ ، الغنية (ضمن الجوامع الفقهية) : ٤٧٥ ، السرائر ١ : ٤٧ ، مجمع البيان ٩ : ١٩٩ في تفسير آية النبأ.