يجب التبيّن عند مجيء الفاسق بنبإ إذا أريد أن يعمل بخبره ـ هو التعليل الوارد في الآية ، وهو قوله تعالى : (أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ)(١) إذ من المعلوم أنّ ترك التبيّن مع عدم العمل لا يوجب إصابة القوم بجهالة ، بل الموجب لتلك إنّما هو العمل بخبره من دون تبيّن ، فالمنطوق يدلّ على أنّ العمل بخبر الفاسق مشروط بالتبيّن قبله ، وهذا يدلّ بمفهومه على أنّ الجائي بالخبر إذا كان عادلا لا يجب التبيّن عند إرادة العمل بخبره ، بل يجوز من دون تبيّن.
وجوابه : أنّ مفهوم الوصف لا يكون حجّة ، كما ذكرنا في محلّه ، سيّما إذا لم يكن معتمدا على الموصوف ، كما في الآية ، فإنّه حينئذ يلحق باللقب ، فإنّ الأوصاف إذا أخذت في موضوع حكم ، لا تدلّ على انتفاء ذلك الحكم عند انتفائها ، سواء كانت تلك الأوصاف من الأوصاف الذاتيّة ، كما في الجوامد ، أو العرضيّة ، كما في المشتقّات ، فلا فرق في عدم الدلالة على المفهوم بين قولنا : «أكرم زيدا» أو «أكرم عالما».
ثانيها : ما ذكره الشيخ ـ قدسسره ـ من أنّ التعليل بأمر عرضيّ عند وجود علّة ذاتيّة أمر قبيح عند العقلاء ، فإذا كان هناك وصفان : أحدهما ذاتيّ والآخر عرضيّ وكان الوصف الذاتيّ علّة لثبوت حكم ، فلا يجوز أن يعلّل ذلك الحكم بذلك الوصف العرضي ، عند وجود ذلك الوصف الذاتيّ ، لأنّه قبيح عند العقلاء ، فلا يجوز أن يقال : «اجتنب عن الدم لأنّه لاقى نجسا» لأنّ كونه دما من الأوصاف الذاتيّة للدم والمفروض أنّه علّة لوجوب الاجتناب لكونه من النجاسات العينيّة ، فلا يجوز معه التعليل لوجوب الاجتناب بملاقاة النجس ، التي هي من الأوصاف العرضيّة ، بل لا بدّ من التعليل بتلك الصفة الذاتيّة ،
__________________
(١) الحجرات : ٦.