والموجود في خبر الفاسق جهتان : إحداهما : ذاتيّة ، وهي كونه خبر واحد ، والثانية : عرضيّة، وهي كون مخبره فاسقا ، فإذا كانت علّة وجوب التبيّن في خبر الفاسق هي كونه خبر واحد ، فلا يجوز التعليل لذلك بكون مخبره فاسقا ، لأنّ الفسق جهة عرضيّة للخبر ، فلا يمكن التعليل بها لوجوب التبيّن مع أنّ له علّة ذاتيّة ، وهي كون الخبر خبرا واحدا ، فحيث علّل في الآية لوجوب التبيّن بالفسق فيفهم من ذلك أنّ العلّة لوجوبه إنّما هي الفسق لا الجهة الذاتيّة ، فعلى هذا إذا كان المخبر عادلا ، وجب قبول خبره بلا تبيّن (١).
وأشكل عليه بعض الأعاظم بأنّ الموجود في خبر الفاسق وإن كان جهتين إلّا أنّ كون إحداهما ذاتيّة والأخرى عرضيّة ممنوع ، بل كلتاهما جهة عرضيّة ، فليس المقام من اجتماع جهتين حتى يقال بأنّ التعليل بالجهة العرضيّة مع وجود الجهة الذاتيّة يدلّ على أنّها العلّة لا الجهة الذاتيّة.
والجواب عنه : أنّ المراد بالذاتي في كلام الشيخ ـ قدسسره ـ ليس هو الذاتيّ في باب الكلّيّات الخمس قطعا ، لأنّه عبارة عن الجنس والفصل في مقابل العرضيّ ، وهو العرض العامّ والخاصّ ، بل المراد هو الذاتيّ في باب البرهان ، الّذي هو عبارة عن العرض اللازم الّذي لا يحتاج في حمله على الذات إلى تصوّر أمر وراء تصوّر نفس الذات ، بل يحمل عليه عند وضع نفس الذات بلا احتياج إلى تصوّر أمر زائد على تصوّر مقام ذاته ، كالزوجيّة للأربعة ، وكالإمكان للذوات الممكنة ، وفي مقابله العرض الّذي يحتاج إلى ذلك ، كالعلم والعدالة للإنسان ، ومن الواضح أنّ كون الخبر خبر واحد ذاتيّ بهذا المعنى ،
__________________
(١) فرائد الأصول : ٧١.