الأوّل : ما ذكره الشيخ ـ قدسسره ـ من أنّ الشرطيّة ليس لها مفهوم ، لأنّها سيقت لبيان تحقّق الموضوع ، فإنّ مفهوم قوله تعالى : (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ)(١) إنّما هو : إن لم يجئكم فاسق ، ومن المعلوم أنّ عدم وجوب التبيّن حينئذ ليس إلّا من قبيل السالبة بانتفاء الموضوع ، وليس المفهوم للآية حجّيّة خبر العادل ، فهو خارج عن المفهوم والمنطوق جميعا ، نظير قولنا : «إن رزقت ولدا فاختنه» (٢).
وقد أجاب عن هذا الإشكال في الكفاية : بأنّ الشرطيّة ليست لبيان تحقّق الموضوع ، بل إنّما سيقت لبيان المفهوم ، وذلك لأنّ الموضوع في القضيّة ليس هو مجيء الفاسق ، بل الموضوع إنّما هو النبأ ، ويكون مجيء الفاسق به شرطا لا جزءا محقّقا للموضوع ، فيكون المنطوق أنّ النبأ إذا كان الجائي به فاسقا يجب التبيّن فيه ، وهذا بمفهومه يدلّ على أنّ النبأ الّذي لا يكون الجائي به فاسقا لا يجب التبيّن فيه (٣).
وتوضيح ما ذكره يحتاج إلى مقدّمات ثلاث :
الأولى : كون القضيّة الشرطيّة ذات مفهوم إنّما يتوقّف ـ كما ذكرنا في باب المفاهيم ـ على رجوع القيد فيها إلى الحكم لا إلى الموضوع ولا إلى المتعلّق ، إذ من الواضح أنّه لو رجع إلى الموضوع أو المتعلّق ، يوجب تقيّد الموضوع أو المتعلّق وتخصيصه بحصّة خاصة منها ، فيدخل في باب مفهوم الوصف ، ومن الواضح أنّ إثبات حكم لموضوع أو لمتعلّق خاصّ لا يدلّ على انتفائه عن غير تلك الحصّة ، فحينئذ إذا رجع القيد إلى الحكم ، يصير موجبا
__________________
(١) الحجرات : ٦.
(٢) فرائد الأصول : ٧٢.
(٣) كفاية الأصول : ٣٤٠.