الإشكال الثاني على مفهوم الآية الشريفة : ما ذكره الشيخ قدسسره ، وهو : أنّ الشرطيّة ولو سلّم ظهورها في المفهوم في نفسها إلّا أنّها قد اقترنت بما يمنع عن ذلك الظهور ، بل يوجب ظهورها في عدم المفهوم ولا أقلّ من كونه مانعا عن انعقاد الظهور في المفهوم ، وهو عموم التعليل ، وهو قوله تعالى : (أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً)(١) إلى آخره ، فإنّه أقوى ظهورا في الدلالة على وجوب التبيّن في كلّ ما يكون فيه إصابة القوم بجهالة ولو كان خبر العادل من ظهور الشرطيّة في المفهوم وعدم وجوب التبيّن ، فوجب ظهورها في عدم المفهوم ، إذ لا أقلّ من تساوي الظهورين ، فيوجب المنع عن انعقاد الظهور في المفهوم ، لاحتفاف الكلام بالقرينة القطعيّة أو بما يصلح للقرينيّة (٢).
وتوضيحه : أنّه ليس المراد من إصابة القوم بجهالة هو الوقوع في مفسدة خلاف الواقع من العمل بخبر الفاسق ، وذلك لأنّ الموضوع هو طبيعيّ نبأ الفاسق ، ومن المعلوم أنّ تلك الطبيعة لا توجب الوقوع في ذلك دائما ، إذ الفاسق لا يكذب دائما ، بل قد يصدق في خبره ، فلا يترتّب على خبره الوقوع في ذلك ، بل المراد أنّه حيث لا يبالي بالكذب لفسقه يكون العمل بخبره معرضا للوقوع في مفسدة خلاف الواقع ، فالنهي عن العمل بخبره إنّما هو لأجل كونه موجبا لمعرضيّة الوقوع في مفسدة خلاف الواقع ، وليس المراد من إصابة القوم بجهالة هو الإصابة النوعيّة والوقوع في المفسدة النوعيّة ، كما هو ظاهر قوله تعالى : (أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً)(٣) إذ الفاسق لا يخبر دائما عمّا يوجب العمل به معرضيّة الوقوع في المفسدة النوعيّة ، بل قد يخبر عن ملكيّة أحد لشيء أو عن
__________________
(١ و ٣) الحجرات : ٦.
(٢) فرائد الأصول : ٧٢.