من أنّ العاجز والقادر ، التكليف بالنسبة إليهما سواء ولا يقيّد بالقدرة كما لا يقيّد بالعلم ، وإنّما العلم والقدرة من شرائط التنجيز ، بمعنى أنّ العقل يحكم بأنّ العاجز والجاهل يكونان في سعة من تكليف المولى ، ولا يستحقّان العقاب بترك ما كلّفا به ، ويقبح على المولى أنّ يؤاخذهما على ذلك ، فالأمر أوضح.
هذا كلّه في المقام الأوّل من الجهة الأصوليّة ، وأمّا الكلام في المقام الثاني منها فيقع في جهات ثلاث :
الأولى : أنّ تعلّق القطع بحرمة شيء أو وجوبه هل يوجب تغيّره عمّا هو عليه من كونه ذا مصلحة أو ذا مفسدة بحيث يصير الفعل الّذي له مصلحة ملزمة ـ كقتل عدوّ المولى مثلا ـ في نفسه بواسطة عروض عنوان القطع بأنّه قتل ابن المولى ذا مفسدة ، وينقلب ملاك محبوبيّته في نفسه بهذا العنوان الطارئ عليه إلى ملاك المبغوضيّة ، أم لا ، وهكذا العكس؟
ولا ريب أنّ المصلحة والمفسدة من الأمور الواقعيّة التي تكون في الفعل ، ومن البديهي أنّه لا يتغيّر الشيء عمّا هو عليه من المصلحة والمفسدة واقعا بالعلم به ، أو عدمه ، ولذا تكون الأحكام مشتركة بين العالمين بها والجاهلين بها ، فهو نظير النّفع والضرر في الشيء حيث إنّ الشيء النافع نافع سواء علم بكونه كذلك أم لا ، وما له ضرر لا يرتفع ضرره ولو قطع بأنّه نافع. وهذا واضح لا سترة عليه.
الجهة الثانية : أنّ التجرّي أو الانقياد هل يستلزم القبح الفاعلي أو حسنه أو لا؟
والظاهر أنّه أيضا ممّا لا ينكر ، فإنّ المتجرّي والعاصي يشتركان في أنّ كلّا منهما مستحقّ للّوم والمذمّة والمؤاخذة والعقوبة ، ضرورة أنّ الفعل المتجرّى به كالمعصية يكشف عن سوء سريرة العبد وخبث طينته وأنّه كان