أمّا على الأوّل : فلأنّ المراد من التبيّن لو كان هو العلم ، فحجّيّته ذاتيّة ، ووجوب العمل على طبقه من أحكام العقل ، فحكم الشارع بوجوب العمل على طبقه إرشاديّ ، فلا يستفاد المفهوم ، إذ ليس الحكم مولويّا حتى ينتفي عند انتفاء شرطه.
وأمّا على الثاني : فلأنّ المراد منه لو كان مطلق الوثوق ، فالجمع بين المفهوم والمنطوق غير ممكن ، لأنّه مستلزم لإحداث قول ثالث ، وذلك لأنّ المراد من المنطوق حينئذ أنّ خبر الفاسق لا يعمل به إلّا بعد الوثوق به ، ومقتضى المفهوم ـ بناء عليه ـ أنّ خبر العادل حجّة ، سواء كان مفيدا للوثوق أم لا ، مع أنّ العلماء بأجمعهم بين قائل باعتبار العدالة في حجّيّة الخبر ، ولا يعتنون بخبر الفاسق ولو كان موثوقا به ، وبين قائل باعتبار الوثوق في الخبر ، فلا يعملون بخبر غير موثوق به ولو كان راويه عدلا ، فالعمل بمفهوم الآية مع المنطوق كليهما ـ بأن يقال : يكفي في العمل بخبر الفاسق حصول الوثوق منه كأن يعمل به الأصحاب مثلا ، ولا يحتاج في العمل بخبر العادل إلى الوثوق ، بل يعمل به وإن لم يكن موثوقا به بإعراض المشهور عنه ـ إحداث للقول الثالث ، إذ على القول الأوّل لا يعمل بخبر الفاسق حتى الموثوق به ، وعلى القول الثاني لا يعمل بخبر العادل غير موثوق به موافقا للمفهوم.
والجواب عن هذا الإشكال : أنّا نختار أوّلا الشقّ الثاني ، فنقول : قولكم : إنّه مستلزم لإحداث القول الثالث ، قلنا : ممنوع.
أمّا أوّلا : فلأنّ القائلين باعتبار العدالة لا نسلم أنّهم يعملون بخبر العادل ولو كان الوثوق بخلافه بأن أعراض الأصحاب عنه ، فإنّ صاحب المدارك ـ قدسسره ـ قائل باعتبار العدالة ، ومع ذلك لا يعمل بالخبر المعرض عنه.
وأمّا ثانيا : فلأنّ الجمع بين المنطوق والمفهوم لا محذور فيه ،