وبعبارة أخرى : أنّ المراد بالتبيّن لا يمكن أن يكون هو الوثوق ، وإلّا فاللازم قبول خبر الفاسق بالنسبة إلى المورد أيضا مع أنّه غير جائز قطعا ، وحيث إنّ تخصيص المورد مستهجن ، فلا بدّ وأن يكون المراد بالتبيّن هو العلم الوجداني ، وقد ذكرنا أنّ العلم واجب العمل بحكم العقل ، فلا يكون حكم الشارع في مورده مولويّا ، فلا تدلّ القضيّة على المفهوم.
والجواب : أمّا أوّلا : فبما ذكرنا من أنّ الواجب ليس وجوب العمل على طبق العلم ، بل الحكم إنّما هو تحصيل العلم.
وأمّا ثانيا : فبأنّ المراد بالتبيّن ليس هو العلم الوجداني ولا الوثوق ، بل المراد ما هو معناه اللغوي ، وهو مشتق من «بان يبين» إذا ظهر ، والمراد بالتبيّن هو طلب الظهور مطلقا ، لا خصوص العلم ، ولا خصوص الوثوق ، كما هو المراد من قوله تعالى : (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ)(١) وحينئذ لا بدّ من ملاحظة مصاديق الظهور ، وحيث إنّ الآية لا يمكن أن تكون متكفّلة لبيان المصاديق ، فلا بدّ من إحراز ذلك من المراجعة إلى الخارج ، وقد علمنا أنّ القطع الوجداني مصداق له ، وأمّا غيره فلا بدّ من المراجعة إلى الشارع في أنّ مصداق التبيّن والظهور ولو بإمضاء وتقرير منه للطرق العقلائية ما هو؟ كما علمنا كون المخبر عادلا من مصاديق التبيّن بدلالة المفهوم حيث إنّ وجوب التبيّن يدلّ بالملازمة العرفيّة على أنّه بنفسه مصداق للتبيّن ، لأنّ احتمال الكذب منتف على الفرض ، واحتمال الخطأ لا يعتني به العقلاء ، فهو بنفسه يكون مصداقا له ، ولذا قلنا بحكومة المفهوم وأنّ خبر العادل خارج عن «إصابة القوم بجهالة» موضوعا ، وقد ثبت ذلك أيضا في نحو اليد وسوق المسلم ونحوهما ،
__________________
(١) البقرة : ١٨٧.