أقوال العلماء بحيث لا يتيسّر التفقّه إلّا للقليل ـ بل المراد منه هو الفقه المعمول في ذلك الزمان الّذي هو عبارة عن فهم مضامين كلمات الأئمّة سلام الله عليهم أجمعين ، ومن المعلوم أنّ الرّواة كانوا من أهل اللسان عارفين باللغة العربيّة ملتفتين إلى معاني أسئلتهم من الأئمّة صلوات الله عليهم أجمعين ، والأجوبة الصادرة منهم عليهمالسلام ، فهم فقهاء بهذا المعنى ، ونسبتهم إلى الأئمّة في ذلك الزمان كنسبة المقلّدين في زماننا إلى مراجع تقليدهم في فهم أحكام دينهم.
فظهر من جميع ما ذكرنا اندفاع جميع الإشكالات الواردة على الآية وتماميّتها في الدلالة على حجّيّة قول الراوي وخبر الواحد.
وممّا استدلّ به على حجّيّة خبر الواحد : قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ)(١).
وتقريب الاستدلال بها : أنّ الآية تدلّ على حرمة كتمان ما أنزل من الأحكام ، وإذا وجبت حرمة الكتمان يجب القبول عند الإظهار مطلقا ، سواء كان المظهر واحدا أو متعدّدا ، وإلّا لزمت لغويّة الإظهار ، وهذا نظير وجوب إظهار النساء ما في أرحامهنّ بمقتضى قوله تعالى : (وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَ)(٢) فإنّه يجب قبول قول المرأة بمجرّد الإظهار ، وإلّا تلزم لغويّة وجوب الإظهار ، والملاك في كلا المقامين واحد.
وفيه : أنّ المقام لا يقاس بحرمة كتمان النساء ، لوجهين :
الأوّل : أنّ الكتمان في قوله تعالى : (وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ) إلى آخره ، راجع إلى أمر هو في نفسه خفيّ ، ولو لم يظهر يبقى على خفائه ،
__________________
(١) البقرة : ١٥٩.
(٢) البقرة : ٢٢٨.