والتحقيق (١) أنّ التجرّي موجب لعروض عنوان قبيح على الفعل المتجرّى به ، وهو عنوان الهتك والتعدّي والظلم على المولى ، والخروج عن زيّ الرقّيّة ووظيفة العبوديّة.
وبيان ذلك يحتاج إلى تقديم مقدّمة ، وهي : أنّه اختلف في الحسن والقبح وهل أنّهما من الأمور الواقعيّة التي لا تختلف ولا تتغيّر بالعلم بها أو الجهل بها والإرادة والاختيار وعدمه ، نظير الخواصّ والآثار المترتّبة على الأشياء التي لا تتغيّر بذلك ، أو أنّهما ممّا يدركه العقل ويختلفان بالوجوه والاعتبارات ، فربّ فعل بعنوان واعتبار يكون حسنا ، كضرب اليتيم تأديبا ، وبعنوان واعتبار آخر يكون قبيحا ، كضربه ظلما ، أو أنّهما أمران تابعان للأوامر والنواهي ، فما أمر به المولى فهو حسن ، وما نهى عنه فهو قبيح ، ولا طريق للعقل إلى إدراكهما ولا أنّهما أمران ذاتيّان واقعيّان للأشياء؟ أقوال.
لا يمكن الالتزام بالأوّل منها ، فإنّه خلاف الوجدان ، ضرورة أنّا نرى بالوجدان أنّ الفعل الواجد ـ كالكذب ـ يختلف باختلاف الوجوه والاعتبارات حسنا وقبحا.
وهكذا الثالث منها ، بل هو أشنع من الأوّل ، لاستلزامه سدّ باب تصديق الأنبياء وتشريع الأحكام ، إذ لو لم يكونا من مدركات العقل فأيّ دليل لنا لوجوب إطاعة النبيّ وتصديقه؟
فإن قال القائل بهذا القول السخيف : إنّ ما وعده الله ـ تبارك وتعالى ـ وأوعده من ثواب الجنان للمصدّقين والمطيعين ، وعقاب النيران للمكذّبين
__________________
(١) أقول : الحقّ مع المنكر للقبح الفعلي وأنّ تلك العناوين من الظلم والتمرّد والطغيان على المولى ممّا لا واقعيّة له ، ولا تنطبق تلك العناوين على التجرّي ، لأنّه لا أمر للمولى فيه. (م).