والعاصين هو الدليل.
قلنا : ما الدليل على أنّه ـ تبارك وتعالى ـ لا يتخلّف عن وعده ووعيده؟ وأيّ مانع من أنّه يثيب العاصي ويعاقب المطيع؟ فهل إلّا بواسطة أنّ الكذب على الله قبيح عقلا والظلم عليه مستحيل وقبيح كذلك؟ تعالى عمّا يقول الظالمون علوّا كبيرا.
والقائلون بهذا القول هم الأشاعرة غير الشاعرة ، وألجأهم إلى ذلك رأيهم الكاسد ومذهبهم الفاسد ، الّذي هو الجبر ، وهم يلتزمون بأنّ لله تعالى أن يعاقب المطيع ويثيب العاصي ، وبغيره من التوالي الفاسدة ممّا تضحك به الثكلى. فخير الأقوال أوسطها ، وهو : أنّهما من مدركات العقل. وهذا ممّا يشهد على الوجدان ، ولا يحتاج إلى بيان ولا برهان.
ثمّ إنّ المراد بالحسن والقبح اللذين يدركهما العقل ليس المصلحة والمفسدة ، ولا المحبوبيّة والمبغوضيّة ، بل ما يحقّ أن يمدح فاعله عليه أو يذمّ بحيث لو مدح أو ذمّ وقع المدح أو الذمّ في محلّه. وهذا المعنى لا يجري في الأفعال غير الاختيارية ، فإنّ النائم الّذي لا يفعل عن إرادة وشعور لا يستحقّ أن يمدح على فعله لو صدر عنه فعل حسن في ذاته.
إذا عرفت ذلك ، فاعلم أنّ الفعل المتجرّى به من المتجرّي طغيان وظلم وعدوان وتعدّ على المولى ، وهتك لحرمته ، وإظهار للجرأة عليه بالضرورة والوجدان ، ولا فرق بينه والعاصي في ذلك أصلا ، وقد عرفت أنّ القبح ينطبق على الفعل الاختياري ، ومناط القبح في الفعل الاختياري أيضا جهة اختياريته ، لا ما لا يكون اختياريّا للفاعل ، ومن المعلوم أنّ مناط القبح في فعل العاصي ليس إلّا هذه العناوين المذكورة لا المصادفة للواقع ، فإنّها غير اختياريّة له ، وعين هذا المناط موجود في المتجرّي بلا قصور ولا نقصان ، ولا ريب أنّه أيضا