المعصية ، كذلك تسقط الأصول اللفظيّة النافية للتكليف في هذا المورد ، لعين هذا المحذور ، إذ كما يلزم من إجراء أصالة الطهارة في كلّ من المائعين ـ اللذين علم إجمالا بنجاسة أحدهما ـ الترخيص في المعصية كذلك يلزم ذلك لو وجب اتّباع البيّنة القائمة على طهارة كلّ واحد منهما ، فلو كان الخبر مثبتا للتكليف ـ مثل النبوي المشهور «نهى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم عن بيع الغرر» (١) الدالّ على فساد البيع الغرري ـ يعمل على طبقه ، ويقيّد به إطلاق قوله تعالى : (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ)(٢) وهذا هو مقتضى العلم الإجمالي بالتكليف الّذي هو بمنزلة العلم التفصيليّ به ، فلا يكون من قبيل تقديم غير الحجّة على الحجّة ، وكما تجري الأصول العمليّة المثبتة للتكليف ويعمل بمقتضاها ويرفع اليد عمّا دلّ عليه الخبر من نفي التكليف كذلك تجري الأصول اللفظيّة المثبتة للتكليف.
مثلا : لو وردت رواية متكفّلة لحكم ترخيصي ، كما إذا ورد أنّه «لا ربا بين الوالد والولد» لا يقيّد بها إطلاق قوله تعالى : (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا)(٣) بل يقدّم إطلاق الآية عليها ، ويحكم بحرمة مطلق الرّبا ، كان بين الوالد والولد أو لم يكن.
وبالجملة لا فرق بين الأصول اللفظيّة والعمليّة في جريانها في أطراف العلم الإجمالي وعدمه ، بل كلاهما من واد واحد.
بقي شيء ، وهو أنّه لو كان كلّ من الأصل ـ لفظيّا أو عمليّا ـ والخبر متكفّلا لحكم إلزامي مخالف للآخر ـ كما لو ورد في الخبر : لا تكرم الفاسق ، وورد في الدليل القطعي : أكرم العلماء ، فوقع التعارض بينهما في العالم الفاسق ـ فما ذا
__________________
(١) مصنّف عبد الرزّاق ٨ : ١٠٩ ـ ١٤٥٠٧ و ١٤٥٠٨ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٣٨ ، مسند أحمد ١ : ٤٩٧ ـ ٢٧٤٧.
(٢ و ٣) البقرة : ٢٧٥.