فصل :
في الوجوه التي أقاموها على حجّيّة مطلق الظنّ ، وهي أربعة :
الأوّل : أنّ الظنّ بالتكليف يستلزم الظنّ بالضرر في مخالفة التكليف المظنون ، ودفع الضرر المظنون ممّا استقلّ العقل بوجوبه ، فيجب بحكم العقل العمل بالظنّ ، في التكاليف الشرعيّة. وهذا ممّا لا ينكره أحد حتى الأشعري الّذي لا يرى الحسن والقبح في الأفعال مع قطع النّظر عن أوامر الشارع صلىاللهعليهوآله ونواهيه ، وإنّما يقول بأنّ كلّ ما أمر به الشارع فهو حسن ، وكلّ ما نهى عنه فهو قبيح ، بل الاحتراز عن محتمل الضرر أيضا فطريّ للإنسان بل جبلّيّ لكلّ شاعر ولو لم يكن إنسانا.
وفيه : أنّ المراد من الضرر لو كان هو العقاب الأخروي ، فالكبرى وإن كانت مسلّمة إلّا أنّ الصغرى ممنوعة ، فإنّ الظنّ بمطلق التكليف لو كان مستلزما للظنّ بالعقاب ، لكان احتمال التكليف أيضا ملازما لاحتمال العقاب ، فيجب الاحتياط في الشبهات البدويّة أيضا ، لما عرفت من استقلال العقل بوجوب دفع الضرر المحتمل ، كاستقلاله بوجوب دفع المظنون منه.
لا يقال : الوجه في عدم وجوب الاحتياط في الشبهات البدويّة جريان قاعدة قبح العقاب بلا بيان فيها ، ولولاها لوجب الاحتياط فيها أيضا.
فإنّه يقال : لا وجه لعدم جريان القاعدة في موارد الظنّ بالتكليف ما لم يثبت اعتباره وحجّيّته ، فإنّ موضوعها عدم البيان ، والظنّ الّذي لم يثبت اعتباره شرعا لا يصلح لأن يكون بيانا ، والمفروض أنّه لم تثبت بعد حجّيّته والكلام الآن في إثبات ذلك ، فلا مانع من جريان القاعدة في موارد الظنّ