وما لا دليل على وجوبه لا شرعا ولا عقلا كيف يحكم العقل ويستقلّ بصحّة المؤاخذة على تركه حتى يجب العمل به!؟
والحاصل : أنّ المستدلّ لو أراد من الضرر الضرر الدنيوي ، لا نسلّم كلّيّة صغرى دليله ، وعلى تقدير تسليمها لا نسلّم كبراه ، وهذا واضح لا سترة عليه.
الثاني : أنّه يدور أمر المكلّف ـ حيث لا يتمكّن من العلم بالتكليف ـ بين العمل بالظنّ وبين الأخذ بالشكّ أو الوهم ، فلو لم يعمل بالظنّ ، لزم ترجيح المرجوح على الراجح ، وهو قبيح.
وفيه : أنّ هذا من إحدى مقدّمات دليل الانسداد ، ولا يكون بنفسه دليلا مستقلّا.
الثالث : أنّه لا شكّ في وجود تكاليف إلزاميّة بين المشتبهات ، ولازمه وجوب الاحتياط في كلّ محتمل التكليف إلّا أنّ الاحتياط الكلّيّ ـ حيث إنّه موجب للعسر والحرج المنفيّين في الشريعة المقدّسة ، بل ربّما يوجب الإخلال بالنظام ـ غير واجب ، فمقتضى الجمع بين القاعدتين ـ أي : قاعدة الاحتياط ، الثابتة بحكم العقل ، وقاعدة نفي العسر والحرج ، الثابتة بحكم الشرع ـ هو العمل بالاحتياط في المظنونات فقط ، وترك المشكوكات والموهومات ، ولا يمكن العكس ، لقبح ترجيح المرجوح على الراجح.
وهذا الوجه أيضا ـ كسابقه ـ من إحدى مقدّمات دليل الانسداد ، ولا يتمّ إلّا بانضمام سائر المقدّمات إليه.
الرابع : دليل الانسداد ، وهو مركّب من مقدّمات أربع (١) يستنتج منها ـ على تقدير تماميّتها ـ جواز الاكتفاء بالظنّ في مقام الامتثال :
__________________
(١) كذا ، ولاحظ ما يأتي في المقدّمة الثالثة.