أصل البراءة ، ومورده ـ كما ذكرنا ـ هو الشكّ في أصل الإلزام ، وجوبيّا كان أو تحريميّا مع عدم البيان من الشارع ، كان منشأ الشكّ عدم النصّ أو إجماله أو تعارض النصّين أو اشتباه أمور خارجيّة بناء على التوقّف مع عدم مرجّح في البين.
والحاصل : مورد البراءة هو الشكّ في أصل الإلزام مع عدم نهوض الحجّة عليه أيّا ما كان منشأ الشكّ. نعم إذا كان منشأ الشك هو اشتباه الأمور الخارجيّة ، فالبحث عنه استطرادي ، فإنّه غير داخل في المسائل الأصوليّة ، لعدم كونه ممّا يتوقّف عليه الاستنباط.
وقد أخرج صاحب الكفاية (١) ـ قدسسره ـ صورة تعارض النصّين ـ بناء على التخيير ـ عن محلّ الكلام.
ولا وجه له على إطلاقه ، فإنّ التخيير ـ على القول به ـ مختصّ بالروايتين المتعارضتين ، لمكان الروايات الواردة في ذلك ، أمّا إذا لم يكن التعارض بين الروايتين ، بل كان بين نصّين آخرين ، فلا دليل على التخيير ، ولا وجه له ، فكان عليه أن يخرج عن محلّ الكلام صورة تعارض الروايتين مع عدم المرجّح بناء على التخيير ، لا مطلق ما كان منشأ الشكّ فيه تعارض النصّين ، سواء كانا روايتين أو غيرهما ، كما هو مقتضى إطلاق كلامه.
وبالجملة ، مناط البحث في جميع هذه الأقسام واحد ، فلا وجه لإفراد البحث عن كلّ واحد من هذه الأقسام كما فعله شيخنا العلّامة الأنصاري ، وقسّم مورد البراءة إلى أقسام ثمانية : ما كان منشأ الشكّ عدم النصّ أو إجماله أو تعارضه أو اشتباه الأمور الخارجيّة ، وكانت الشبهة في كلّ منها وجوبيّة أو
__________________
(١) كفاية الأصول : ٣٨٥.