والظاهري في كون كل منهما بيانا وإذنا في الاقتحام ، فلا يصحّ العقاب على الاقتحام بعد الإذن فيه ، فمفاد الحديث في الواقع وضع حكم ترخيصي ظاهري كما في قوله عليهالسلام : «كلّ شيء لك حلال» (١) بلسان رفع الإلزام الواقعي المجهول ، فعلى هذا دلالة الحديث الشريف على جواز الاقتحام في الشبهة وترك ما هو محتمل الوجوب وفعل ما هو محتمل الحرمة واضحة لا ينبغي الشّك فيها.
ثمّ إنّ تماميّة الاستدلال بالحديث متوقّفة على كون المراد من الموصول في «ما لا يعلمون» الحكم المجهول ، أمّا لو كان المراد منه الموضوع المشتبه ، فلا يتمّ الاستدلال به للبراءة في الشبهات الحكميّة ، بل يدلّ على البراءة في الشبهات الموضوعيّة التي لا كلام في جريان البراءة فيها ، وكل من الأخباري والأصولي قائل بجريان البراءة فيها.
وقد ذكر لكون المراد من الموصول الموضوع المشتبه وجوه :
منها : أنّ وحدة السياق تقتضي ذلك ، إذ المراد من الموصول في «ما استكرهوا عليه» و «ما اضطرّوا» و «ما لا يطيقون» هو الفعل لا الحكم ، ضرورة أنّه لا معنى للاضطرار إلى الحكم أو الاستكراه عليه ، فهذه العناوين من عوارض الفعل الخارجي لا الحكم ، فيكون المراد من الموصول في «ما لا يعلمون» أيضا هو الفعل الخارجي بمقتضى وحدة السياق.
وفيه : أنّ المراد من لفظ «ما» في جميع الفقرات هو أمر واحد ، وهو «شيء» ف «ما لا يعلمون» معناه : الشيء الّذي لا يعلمون ، و «ما اضطرّوا إليه» مفاده : الشيء الّذي اضطرّوا إليه ، وهكذا في سائر الفقرات ، فلفظ «ما» استعمل
__________________
(١) الكافي ٥ : ٣١٣ ـ ٤٠ ، التهذيب ٧ : ٢٢٦ ـ ٩٨٩ ، الوسائل ١٧ : ٨٩ ، الباب ٤ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ٤.