إلّا في أنّ منشأ الأوّل هو إجمال النصّ أو فقدانه مثلا ، ومنشأ الثاني هو اشتباه الأمور الخارجيّة ، وهذا لا يكون فارقا.
فظهر من جميع ما ذكرنا أنّ دلالة الحديث على البراءة ـ فيما شكّ في وجوبه وحرمته ولم نظفر على دليل يدلّ عليه بعد الفحص ـ تامّة ، ولا يرد عليه شيء من الإيرادات الواردة المذكورة.
بقي هناك أمور راجعة إلى فقه الحديث ينبغي التنبيه عليها :
الأوّل : ربما يقال : إنّ الرفع يستعمل فيما له وجود في الزمان السابق على الرفع ، ولا يستعمل فيما لا وجود له كذلك ، وإنّما هو مورد استعمال الدفع إذا كان مقتضي الوجود موجودا ، ففي مقام بيان أنّ الحكم غير مجعول في الشريعة في ظرف عدم العلم به مثلا لا يصحّ استعمال الرفع ، بل هو مورد استعمال الدفع ، كما لا يخفى.
وأجاب عن هذا الإشكال شيخنا الأستاذ ـ قدسسره ـ بأنّ كلّا من الرفع والدفع يصحّ استعماله في الآخر ، فإنّهما حقيقة واحدة على ما هو الحقّ المحقّق في محلّه من أنّ البقاء كالحدوث يحتاج إلى المؤثّر ، إذ على ذلك ما يرفع البقاء في الحقيقة هو المزاحم لتأثير مقتضي البقاء ، والمانع عن الوجود الثاني ، فالرافع في الحقيقة يدفع عن الوجود الثاني ، ويمنع عن تأثير علّة البقاء ، وإذا كانا حقيقة واحدة فيصحّ استعمال كلّ منهما في الآخر ، فيصحّ قوله عليهالسلام : «رفع عن أمّتي تسعة ... ما لا يعلمون» إلى آخره (١).
وهذا الّذي أفاده ـ قدسسره ـ وإن كان كلاما متينا في نفسه لكنّه لا يفيدنا في المقام شيئا ، إذ كونهما حقيقة واحدة لا يوجب صحّة استعمال أحدهما في
__________________
(١) أجود التقريرات ٢ : ١٧٠.