وقد أجبنا عن ذلك بجوابين :
أحدهما : أنّ لفظ «ما» استعمل في معنى واحد ، وهو «الشيء» وهو ينطبق على الحكم تارة وعلى الموضوع الخارجي أخرى.
ثانيهما : أنّ المراد منه هو الحكم مطلقا ، سواء كان كلّيّا أو جزئيّا ، فيعمّ الشبهات الموضوعيّة والحكميّة.
والّذي يوهن الاستدلال بها أنّ إسناد الحجب إلى الله تعالى يقتضي اختصاصه بالشبهات الموضوعيّة ، حيث إنّ العباد علمهم محدود ولا يعرفون حقائق الأشياء ، لأنّ الله تعالى لم يعلّمهم الغيب وحجب عنهم كثيرا من العلم ، فالمائع المجهول خمريّته مرفوع عنهم ، لأنّه ممّا حجب الله تعالى عنهم علمه ، فاستفادة لبراءة في الشبهات الموضوعيّة من الرواية في غاية الظهور.
وأمّا الأحكام المجهولة المشتبهة : فاستفادة البراءة منها بالنسبة إليها في غاية الإشكال ، فإنّ الله تبارك وتعالى لم يحجب علم الأحكام عن العباد ، بل بيّنها لهم ، وإنّما حجبها خلفاء الجور لعنهم الله تعالى ، فلعلّ مفاده ـ على تقدير عدم الاختصاص بالشبهة الموضوعيّة ، بل الاختصاص بالشبهة الحكميّة ، كما هو ظاهر إسناد الحجب إلى الله تعالى ـ هو مفاد «اسكتوا عمّا سكت الله عنه» وأنّ ما حجب الله علمه عن العباد من الأحكام ولم يبيّنه (١) أصلا لمصلحة في
__________________
(١) أقول : لا إشكال في دلالة حديث الحجب على البراءة الشرعية ، ولا يختصّ بالأحكام التي سكت الله عن بيانها كي يخرج عمّا نحن فيه.
توضيح ذلك : أنّ في حديث الحجب ـ كما في حديث الرفع ـ امتنانا على الأمّة ، وهو فيما إذا رفع حكم موضوع غير واصل ، وأمّا عدم وضع الحكم أصلا فليس فيه امتنان بل ولا معنى لمرفوعية غير الموضوع والمجعول ، وهو مستهجن عرفا. فالحقّ تماميّة دلالة الحديث ـ بناء على تمامية السند ـ على البراءة الشرعية في الشبهة الحكمية ، ولا يختصّ بالشبهة الموضوعية ولا بما لم يجعل أصلا ، فلا يخرج مفاده عمّا نحن فيه. (م).