ما هو وظيفتهم ـ على مخالفة التكليف على تقدير وجوده واقعا ، وهذا جار في القوانين العرفيّة المقنّنة في مملكة ، فإنّه لا تسمع دعوى الجهل بالقانون الموضوع في المملكة من مرتكب خلافه إذا نشر في الجرائد ووضع في مرأى ومسمع أهل المملكة ، بخلاف ما لم يكن بهذه المثابة ، فإنّ مرتكب الخلاف لا يطلب إلى المحكمة لمؤاخذته على ذلك.
وبالجملة ، ما لم يصل التكليف إلى المكلّف صغرى وكبرى ـ بأن يعلم بأنّ الخمر في الشريعة المقدّسة حرام ويعلم أنّ المائع الخارجي خمر ـ لا يستحقّ العقاب على مخالفته ، ومع عدم الاستحقاق لا يحتمل العقاب ، فهو مقطوع العدم ، فلا موضوع لقاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل فيما هو محلّ الكلام من الشبهات البدويّة بعد الفحص ، فلا يمكن أن تكون بيانا عقليّا.
وربّما يتوهّم أنّ قاعدة قبح العقاب بلا بيان كما تصلح أن تكون رافعة لموضوع قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل كذلك تصلح لأن تكون رافعة لموضوع قاعدة قبح العقاب بلا بيان ، إذ احتمال ضرر العقاب موجود بالوجدان ، فمع جريان قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل يرتفع موضوع تلك القاعدة ، فكلّ من القاعدتين العقليّتين يصلح للجريان ورفع موضوع الأخرى ، فما وجه تقديم أحدهما؟
وفساد هذا التوهّم من الوضوح بمكان ، فإنّ التنافي لا يمكن بين دليلين قطعيّين عقليّين أو شرعيّين ، فلا يمكن المعارضة بين القاعدتين ، ولا يعقل صلاحية جريان كلّ منهما في مورد واحد ، ونرى أنّ المقام من موارد قاعدة قبح العقاب بلا بيان دون تلك القاعدة ، إذ موردها احتمال ضرر العقاب ، المساوق لاستحقاقه ، الملازم لمخالفة التكليف الواصل بنفسه أو بطريقه ، والمفروض عدم الوصول كذلك ، فلا مورد لها.