واستشكل على هذا التقرير شيخنا الأستاذ ـ قدسسره ـ بأنّ استصحاب عدم الجعل في الشريعة وإن كان جاريا إلّا أنّه لا أثر له ، فإنّ ما يترتّب عليه الأثر هو الحكم الفعلي ، فإنّه الّذي يترتّب عليه إمكان الانبعاث والانزجار ، أمّا الحكم الإنشائيّ فلا أثر له أصلا ، فلا يجوز استصحابه وإن كان لازمه فعليّته في حقّ المكلّف ، لتحقّق موضوعه ، فإنّه لا يثبت ذلك.
والحاصل : أنّ استصحاب عدم الجعل لإثبات عدم الحكم الإنشائيّ وإن كان جاريا إلّا أنّه لا أثر له ، واستصحاب عدم الجعل لإثبات عدم المجعول والحكم الفعلي وإن كان ذا أثر إلّا أنّه من أوضح أنحاء الأصل المثبت الّذي لا نقول بحجّيّته (١).
والجواب عنه : أوّلا : أنّه منقوض باستصحاب عدم النسخ ، الّذي لا خلاف في جريانه ، بل ادّعى المحدّث الأسترآبادي الإجماع عليه مع أنّه أيضا ـ على ما أفاده ـ من الأصول المثبتة ، فإنّ استصحاب وجوب صلاة الجمعة ، المتيقّن في زمان الحضور وعدم نسخه إلى الآن الّذي هو حكم شأني لإثبات الوجوب الفعلي من الأصول المثبتة ، فإنّه أيضا من استصحاب الجعل لإثبات المجعول.
وثانيا : أنّه ليس من الأصول المثبتة في شيء ، بل استصحاب الجعل عين استصحاب المجعول ومتّحد معه ، وهكذا استصحاب عدم الجعل عين استصحاب عدم المجعول ومتّحد معه.
بيان ذلك : أنّ حقيقة الحكم ـ كما مرّ مرارا ـ ليست إلّا اعتبار لا بدّيّة الفعل أو الترك ـ مثلا ـ على المكلّف ، والاعتبار كالتصوّر يمكن أن يتعلّق بأمور متأخّرة
__________________
(١) أجود التقريرات ٢ : ٢٩٦ و ٤٠٦.