وأمّا الثانية فالمتيقّنة منها يجب دفعها ، أمّا المحتملة منها فالتقوى فيها من مراتب كمال العبد ، ولا تجب قطعا ، ولذا اتّفق الأصوليّون والأخباريّون ـ سوى المحدّث الأسترآبادي ـ على جواز الاقتحام في الشبهات الوجوبيّة.
وأمّا الأخبار : فبما دلّ على وجوب التوقّف عند الشبهة ، كقوله عليهالسلام : «قف عند الشبهة فإنّ الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة» (١).
والجواب : أوّلا : أنّ معنى الشبهة هو التباس الأمر على المكلّف وعدم معرفة طريق يسلكه ، وليس معناها الشكّ ، فلا تدلّ على وجوب التوقّف إلّا في الشبهات البدويّة قبل الفحص والمقرونة بالعلم الإجمالي ، التي توجب تحيّر المكلّف في مقام الامتثال والتباس أمر التكليف عليه ، وأمّا فيما هو محلّ الكلام من الشبهات البدويّة بعد الفحص فلا ، لعدم كون الأمر مشتبها على المكلّف ولا يتحيّر في مقام الامتثال بعد حكم العقل بقاعدة قبح العقاب بلا بيان ، وورود النقل على جواز الاقتحام فيها.
وثانيا : أنّ مقتضى التعليل في بعض هذه الروايات بأنّ الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة هو ثبوت الملازمة بين الاقتحام في الشبهة واحتمال الوقوع في الهلاك الأخروي ، فاحتمال الوقوع في العقاب علّة للأمر بالتوقّف ، فلا بدّ من كونه مفروض الوجود قبل الأمر ، ولا يعقل أن يجيء احتمال العقاب من قبل الأمر بالتوقّف الّذي هو معلوله ، ومن الواضح أنّا لا نحتمل العقاب في اقتحام الشبهات البدويّة بعد الفحص ، لقبح العقاب بلا بيان ، فمورد هذه الأخبار هي الشبهات المقرونة بالعلم الإجمالي والبدوية قبل الفحص ، التي نحتمل العقاب على ارتكابها.
__________________
(١) الوسائل ٢٠ : ٢٥٨ ـ ٢٥٩ ، الباب ١٥٧ من أبواب مقدّمات النكاح ، الحديث ٢.