الفرض تجري أصالة عدم التذكية (١) حتى لو قلنا بأنّ التذكية عبارة عن نفس الأفعال الخارجيّة ، إذ الشكّ حينئذ في مصداقيّة هذا الذبح الخارجي لمفهوم التذكية الشرعيّة ، والأصل عدم تحقّق التذكية التي جعلها الشارع موضوعا للحلّيّة ، فيحكم بالحرمة ، لكن لا يثبت هذا الأصل النجاسة ، لما عرفت في الشبهة الموضوعيّة من أنّ عنوان «الميتة» الّذي هو عنوان وجودي أخذ في موضوع النجاسة ، فأصالة عدم كونه مذكّى لا تثبت كونه ميتة ، بل هي معارضة ـ كما أفاده النراقي قدسسره ـ بأصالة عدم كونه ميتة.
نعم ، النجاسة من لوازم الحرمة عقلا ، فإنّ الواقع لا يخلو من أحد أمرين : إمّا مذكّى فحلال طاهر ، أو ميتة فحرام نجس ، إلّا أنّ شأن الأصول التفكيك بين اللوازم والملزومات ، ونظائره كثيرة في الفقه.
الأمر الثاني : أنّه لا شبهة في إمكان الاحتياط وحسنه عقلا في التوصّليّات مطلقا ، كان أمر المشتبه مردّدا بين الوجوب والاستحباب أو لم يكن ، بل كان مردّدا بين الوجوب وغير الاستحباب من الإباحة والكراهة. وهكذا لا ريب فيه في التعبّديّات فيما إذا كان أمر المشتبه مردّدا بين الوجوب
__________________
(١) أقول : الحقّ هو عدم جريانها أوّلا ، لوجود الإطلاق اللفظي الحاكم على الأصل ، وهو قوله تعالى : (فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) [الأنعام : ١١٨] وهذا ينفي اعتبار كلّ محتمل الاعتبار كالحديد في المثال.
وثانيا : لو سلّم كون التذكية أمرا شرعيّا محضا غير مفهوم للعرف حتى يجري الإطلاق ، نقول : الإطلاق المقامي رافع للشكّ ، وذلك أنّ الدليل الدالّ على كيفية التذكية الشرعية كان خاليا عن هذا القيد فيحكم بعدم اعتباره.
وثالثا : لا مجال لجريان استصحاب عدم التذكية في نفسه ، فإنّ مفهوم التذكية على هذا يصير كمفهوم الغروب من الشبهات المفهومية ، ولا يجري الأصل في الشبهات المفهومية كما اعترف به سيّدنا الأستاذ ، فعند عدم جريان الأصل الحاكم يكون المرجع هو أصالة الحلّ لو لا الإطلاقان المذكوران : اللفظي والمقامي. (م).