كما أشرنا إليه سابقا ، وفي المقام الحكم الواقعي إمّا هو الحلّيّة المطلقة أو الحرمة المطلقة ، فجعل الإباحة المشروطة بترك الآخر ظاهرا لا يمكن ، إذ انقطع بخلافه ، فإنّ المفروض أنّ الحكم الواقعي مطلق غير مشروط بشيء قطعا.
وبالجملة ، لا يمكن شمول أدلّة البراءة لأحد الطرفين أو بعض الأطراف تخييرا ، كما لا يمكن شمولها لجميع الأطراف ، غاية الأمر أنّ المانع في جميع الأطراف ثبوتي بمعنى أنّه لا يعقل تعبّد الشارع بجواز مخالفة العلم الإجمالي قطعا ، ولو كان دليل الأصل ظاهرا في ذلك ، لا بدّ من رفع اليد عن ظهوره ، وليس في بعض الأطراف مانع في مقام الثبوت ، إذ لا مانع في اكتفاء الشارع بالامتثال الاحتمالي ، كما ذكرنا سابقا بل ، ليس ذلك مجرّد الفرض ، فإنّ له واقعا ، كما في مورد تحيّر المكلّف في أمر القبلة ، إذ ورد فيه رواية صحيحة ـ وأفتى على طبقها جماعة ـ على إجزاء الصلاة إلى أيّ طرف شاء المكلّف (١) ، بل المانع إثباتي ، إذ ليس لنا دليل عامّ أو خاصّ على إباحة أيّ فرد اختاره المكلّف.
وليعلم أنّ المعقول من التعبّد بجواز ارتكاب بعض الأطراف تخييرا إنّما هو التعبّد بإباحة أيّ فرد اختاره المكلّف في مقام الامتثال ، والاكتفاء بالامتثال الاحتمالي فيما يختاره المكلّف ، وأمّا التعبّد بالحلّيّة والإباحة المشروطة بترك الآخر فهو غير معقول ، والمانع فيه ثبوتي.
وممّا ذكرنا ظهر فساد ما نسب إلى المحقّق القمي ـ قدسسره ـ من عدم المانع من جريان الأصول في بعض الأطراف (٢).
بقي هناك أمور ينبغي التنبيه عليها :
__________________
(١) الفقيه ١ : ١٧٩ ـ ٨٤٥ ، الوسائل ٤ : ٣١١ ، الباب ٨ من أبواب القبلة ، الحديث ٢.
(٢) قوانين الأصول ٢ : ٢٥.