فعلا أو تركا وكان بحيث يتحقّق في الخارج ولو لم يأمر أو ينه عنه المولى لم يكن قابلا للتكليف ، وكان توجيه الخطاب إليه لغوا (١).
واختار شيخنا الأستاذ ـ قدسسره ـ ما اختاره شيخنا الأنصاري أعلى الله مقامه ، وأفاد في وجه ذلك : أنّه في التكاليف التحريميّة حيث إنّ المطلوب هو الترك وعدم وجود مفسدة ملزمة في الخارج ، فإذا كان الفعل غير مقدور للمكلّف كالنظر إلى الجارية المختصّة بالملك لمن كان بعيدا عنها بمراحل ولا يقدر عادة على الوصول إليها ، كان متروكا لا محالة ، وليس الترك مستندا إلى إرادته واختياره ، فلا يكون قابلا لتعلّق التكليف به ، فإنّه طلب لما هو حاصل.
وأمّا في التكاليف الإيجابيّة فحيث إنّ المطلوب هو الفعل الاختياري وهو لا يصدر إلّا عن إرادة واختيار ، يصحّ تعلّق التكليف به ولو لم يرغب المكلّف إلى تركه بحسب طبعه ولو لم يكن إيجاب من المولى ، كالإنفاق على الولد العاجز عن تحصيل معاشه مع التمكّن ، ففرق بين المقامين ، ولا يقاس الشبهات الوجوبيّة بالشبهات التحريميّة في ذلك.
ثمّ فرّع ـ قدسسره ـ على ذلك أنّ كلّ ما كان مستندا إلى اختيار المكلّف فعلا أو تركا قابل لتعلّق الإلزام به إذا كان له مصلحة أو مفسدة ملزمة ، إذ لا يشترط في صحّة التكليف بمثله إلّا إمكان الداعويّة والزاجريّة لا فعليّتهما (٢).
والتحقيق في المقام أنّ هذا الشرط ليس بشرط لتأثير العلم الإجمالي على الإطلاق ، فإنّ الخارج عن محلّ الابتلاء فعلا أو تركا لو كان خارجا عن تحت اختياره عقلا ـ بأن كان محالا ذاتيّا أو عاديّا ، كالطيران إلى السماء ، فإنّه وإن كان ممكنا بالذات إلّا أنّه محال عادة ، والمحال العادي محال عقلي بالقياس إلى غير
__________________
(١) كفاية الأصول : ٤١٠ (الهامش).
(٢) أجود التقريرات ٢ : ٢٥٠ ـ ٢٥٢.