قبيحة ، فإذا قام دليل ظاهر في حجّيّة خبر الثقة ، لا يعتنى باحتمال الاستحالة الناشئ من دعوى ابن قبة والوجوه المذكورة لها ، وهكذا إذا ورد «أكرم كلّ عالم» واحتملنا قبح التكليف بإكرام الفاسق ، لوجود مفسدة ملزمة فيه ، لا يجوز التوقّف في إكرامه ، بل مقام الإثبات كاشف عن مقام الثبوت ، والأمر بإكرام كلّ عالم كاشف عن قيام مصلحة ملزمة في إكرام مطلق العالم ولو كان فاسقا (١). وهذا الّذي أفاده متين جدّاً.
والتحقيق أن يقال : إنّ اعتبار القدرة في متعلّق التكليف حيث إنّه ممّا لا ريب فيه وممّا يعرفه كلّ أحد ، ضرورة قبح التكليف بما لا يطاق وغير المقدور عند كلّ عاقل ، فلا محالة يخصّص العمومات بحكم العقل بما كان متعلّق التكليف مقدورا للمكلّف ، وفي الموارد المشكوك لا يمكن التمسّك بالعموم ، لما تقرّر في بحث العامّ والخاصّ من عدم جواز التمسّك بالعموم في الشبهات المصداقيّة حتى إذا كان المخصّص لبّيّا ، وذكرنا أنّ حال المخصّص اللبّي في ذلك حال المخصّص اللفظي بعينه ، وكلاهما من واد واحد ، فكما لا يجوز التمسّك بالعموم في الشبهات المصداقيّة مع كون المخصّص لفظيّا كذلك لا يجوز ذلك في المخصّص اللبّي ، سيّما إذا كان المخصّص العقلي من البديهيّات التي يعرفها كلّ أحد ، كما في المقام ، فإنّه يصير حينئذ بمنزلة القرائن اللفظيّة المحفوفة بالكلام ، ويكون المخصّص متّصلا لا منفصلا.
والحاصل : لا ريب في عدم جواز التمسّك بالعامّ المخصّص بالمخصّص اللفظي أو اللبّي في الشبهات المصداقيّة ، ولكن لا يجوز الرجوع إلى البراءة أيضا في خصوص موارد الشكّ في القدرة وعدمها ، لعدم شمول أدلّة البراءة لما
__________________
(١) أجود التقريرات ٢ : ٢٥٣ ـ ٢٥٤.