ومثّلنا لذلك مثالا واضحا ، وهو : أنّ العلّة في مرتبة عدم العلّة بالضرورة ، وتقدّم العلّة على معلولها بالتقدّم العلّي لا يوجب تقدّم ما هو في رتبته ـ وهو عدم العلّة ـ على المعلول أيضا ، لعدم وجود ملاك التقدّم ، وهو توقّف المتأخّر على المتقدّم. وهكذا تأخّر الابن عن الأب المتّحد مع العمّ في الرتبة لا يستلزم تأخّره عن عمّه ، لعدم توقّف وجود الابن علي العمّ أصلا.
فالملاقي وإن كان متأخّرا رتبة عن الملاقى الّذي هو في عرض الطرف الآخر إلّا أنّ تأخّره عنه لا يستلزم تأخّره عمّا هو في عرضه ـ وهو الطرف الآخر ـ أيضا ، بل الطرف الآخر كما يكون في عرض الملاقي كذلك يكون في عرض الملاقي أيضا ، فالأصل في الطرف الآخر يعارض الأصل في الملاقى والملاقي معا.
بقي الكلام فيما أفاده صاحب الكفاية (١) ـ قدسسره ـ من التفصيل ووجوب الاجتناب عن الملاقى والملاقي معا تارة وعن الملاقى دون الملاقي أخرى ، وقد تقدّم موردهما ، وعن الملاقي فقط دون الملاقى ثالثة ، وقد ذكر لذلك موردين :
أحدهما : ما إذا علمنا إجمالا بنجاسة أحد المائعين اللذين أحدهما خارج عن محلّ الابتلاء ثمّ علمنا بعد ذلك بملاقاة ثوبنا مع المائع الخارج عن محلّ الابتلاء ثمّ دخل الملاقى في محلّ الابتلاء ، فحيث إنّ الطرف الخارج عن محلّ الابتلاء ـ وهو الملاقى ـ لا أثر لجريان الأصل فيه ما دام خارجا عن محلّ الابتلاء ، فلا يعارض الأصل في الطرف الآخر مع الأصل في الملاقي ، بل يعارضه الأصل في الملاقي ، للعلم الإجمالي الثاني بنجاسة الملاقي أو الطرف
__________________
(١) كفاية الأصول : ٤١١ ـ ٤١٢.