الإلزام بها ولم يصل إلينا تكليف وضيق بالقياس إليها ، فالعقاب على مخالفة المأمور به من ناحية الإخلال بالخصوصيّة المشكوك تعلّق الإلزام بها عقاب بلا بيان ، فيرفع بقاعدة قبح العقاب بلا بيان و «رفع ما لا يعلمون» بلا محذور أصلا.
الثالث : أن يكون ما يحتمل دخله في الواجب متّحدا في الوجود معه وتكون نسبته إليه نسبة الفصل إلى جنسه ، كالإنسان والحيوان.
وقد عرفت أنّ صاحب الكفاية أنكر جريان البراءة في هذا القسم كسابقه ، نظرا إلى أنّ الأمر فيه دائر بين متباينين ، فإنّ البقّ ـ مثلا ـ ليس قدرا متيقّنا بين الحيوان والإنسان.
وتبعه شيخنا الأستاذ ـ قدسسره ـ بدعوى أنّ المقام من صغريات دوران الأمر بين التعيين والتخيير (١) ، إذ الحيوان له أنواع ، وكلّ نوع مباين للنوع الآخر ، فمرجع العلم بتعلّق إلزام إمّا بحيوان أو بإنسان هو العلم بأنّ المأمور به إمّا مطلق الحيوان بأيّ فصل تفصّل أو خصوص الحيوان الّذي تفصّل بفصل الإنسانيّة.
وحيث انجرّ البحث إلى بحث دوران الأمر بين التعيين والتخيير ـ وهو بحث نفيس كثير الفائدة ـ فالأولى عطف عنان الكلام إليه وإن لم يتعرّض له صاحب الكفاية أصلا.
فنقول : لدوران الأمر بين التعيين والتخيير أقسام ثلاثة :
الأوّل : الدوران من جهة الشكّ في مرحلة الجعل بأن نعلم وجوب شيء ولكن نشكّ في أنّ الشارع هل جعل له عدلا أو لا؟ فأمر وجوبه مردّد بين كونه تخييريّا له عدل وتعيينيّا ليس له عدل.
__________________
(١) أجود التقريرات ٢ : ٢٩٧.