استوفى ملاك ما لا يحتمل أهمّيّته فيحقّق تفويت مقدار من الملاك الّذي لا يعجز عن استيفائه ، فلا يجوّز العقل ذلك.
وبالجملة ، الفرق بين المقامين أنّ الملاك في الشكّ في حرمة شرب التتن مثلا وغيره من موارد لا يرجع الشك في أصل التكليف فيها إلى الشكّ في القدرة مشكوك أيضا ، كما أنّ التكليف مشكوك ، فيرجع إلى البراءة بالقياس إلى الملاك أيضا ، بخلاف المقام ، فإنّ الملاك الملزم معلوم وواصل ، فلا يجوز تفويته بحكم العقل إلّا مع إحراز العجز عن استيفائه.
وبهذا يظهر الكلام في القسم الثالث من أقسام دوران الأمر بين التعيين والتخيير ، وهو الدوران في مقام الحجّيّة ، وانقدح أنّ مقتضاه هو التعيين ، وذلك لأنّ الطريق المشكوكة حجّيّته لا يمكن الاحتجاج به في مخالفة التكليف الواصل من قبل المولى ، بل الشكّ في حجّيّة طريق ـ كما أفاده صاحب الكفاية (١) ـ مساوق للقطع بعدم حجّيّته ، لعدم صحّة الاحتجاج به في مخالفة التكليف قطعا ، فإذا احتمل وجوب تقليد الأعلم بالخصوص وكون فتواه طريقا للمقلّد ، يتعيّن تقليده ، وهكذا إذا علم وجوب الرجوع إلى الأعلم واحتمل أعلميّة أحد دون غيره ، إذ يصحّ للمقلّد الاحتجاج به قطعا ، ضرورة أنّه لا يحتمل وجوب تقليد غير الأعلم بالخصوص ، ولا يصحّ له الاحتجاج بغيره يقينا ، بداهة أنّه مشكوك الحجّيّة ، وهو ليس بحجّة عقلا ونقلا.
وهكذا الكلام في موارد دوران الأمر بين التخيير والتعيين في الروايتين المتعارضتين.
بقيت أمور ينبغي التنبيه عليها :
__________________
(١) كفاية الأصول : ٣٢٢ ـ ٣٢٣.