هذا ، وبقي الكلام في الفرق المذكور ، وهو الفرق بين العذر الابتدائي فلا يجري الاستصحاب ، لعدم تيقّن الوجوب قبل الشكّ ، والعذر الطارئ فيجري ، والتزم به شيخنا الأنصاري قدسسره (١) ، ووافقه شيخنا الأستاذ (٢) قدسسره هنا ، ولكنّه ـ قدسسره ـ بنى في بحث الاستصحاب على عدم الفرق ، نظرا إلى أنّ الاستصحاب في الأحكام الكلّيّة الإلهيّة لا يحتاج جريانه إلى فعليّة الموضوع خارجا ، وكونه ذا حكم في زمان يقينا ومشكوك الحكم بعده ، بل يكفي في جريان الاستصحاب فيها فرض وجود الموضوع وكونه محكوما بحكم في زمان يقينا ومشكوك الزوال في الزمان اللاحق ، كاستصحاب نجاسة الماء المتغيّر الزائل تغيّره من قبل نفسه ، والماء النجس المتمّم كرّا ، واستصحاب حرمة وطء الحائض بعد النقاء وقبل الاغتسال وغير ذلك ممّا لا يتوقّف استصحاب حكم الكلّي فيه إلّا على فرض وجود موضوعه (٣).
وهذا الكلام ممّا لا يمكن المساعدة عليه ، فإنّ لاستصحاب الحكم أقساما ثلاثة :
أحدها : استصحاب الحكم الكلّي المشكوك الّذي لا منشأ للشكّ فيه الاحتمال النسخ بحيث لولاه لكان الحكم ثابتا على ما هو عليه من سعة دائرة موضوعه وضيقها بلا شكّ ، وهذا يسمّى باستصحاب عدم النسخ ، الّذي ادّعى المحدّث الأسترآبادي الضرورة على جريانه (٤).
الثاني : استصحاب الحكم الكلّي الّذي لم يكن الشكّ فيه من جهة
__________________
(١) فرائد الأصول : ٢٩٤.
(٢) أجود التقريرات ٢ : ٣١٤.
(٣) أجود التقريرات ٢ : ٤٤٥.
(٤) نسبه إليه في فرائد الأصول : ٣٢٣ و ٣٤٧.