والوجه في ذلك : أنّ حمل «من» على التبعيض الأفرادي أيضا لا ينطبق على مورد الرواية ، الّذي هو السؤال عن تكرار الحجّ ، ومن المعلوم أنّ وجوبه بنحو صرف الوجود ، ولا يجب في العمر إلّا مرّة واحدة ، فلو لم نجعل «من» بمعنى الباء أو زائدة ، يلزم وجوب الإتيان بالحجّ أزيد من مرّة واحدة لمن كان قادرا على ذلك ، بل تكون هذه الرواية دليلا على أنّ الأمر يقتضي التكرار ، ضرورة أنّ مقتضاها حينئذ وجوب الإتيان بالمقدار الممكن من أفراد الطبيعة المأمور بها ، فلا مناص عن جعل «من» زائدة أو بمعنى الباء حتى تنطبق الرواية على موردها.
الثانية : قوله عليهالسلام : «ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه» (١) بتقريب أنّ «كلّه» في الفقرتين لا يمكن أن يراد منه مجموع الأفراد أو الأجزاء في كلتيهما بنحو سلب العموم بحيث يكون السلب في كلتيهما واردا على العموم ، نظير «كلّه لم أصنع» لأنّه إذا لم يكن مجموع الأجزاء أو الأفراد مدركا ، فلا محالة يكون مجموعها غير متروك ، فلا معنى لإيجاب عدم تركه.
وهكذا لا يمكن أن يراد من كلّ منهما العموم الاستغراقي بنحو عموم السّلب بحيث يكون السلب واردا على كلّ جزء أو فرد من الأفراد ، ضرورة أنّه لا معنى لإيجاب عدم ترك شيء من الأفراد أو الأجزاء ـ الّذي هو عبارة أخرى عن إيجاب جميع الأفراد أو الأجزاء ـ إذا لم يكن شيء منها مدركا وكان عدم الدرك كلّيّا ، فلا مناص عن أن يكون المراد أنّه إذا لم يكن الدرك كليّا بنحو سلب العموم ، لا يكون الترك كلّيّا بنحو عموم السلب ، فيكون حاصل المعنى على هذا أنّ المطلوب والمأمور به ـ كالصلاة أو صوم شهر رمضان ـ إذا لم يمكن درك
__________________
(١) غوالي اللئالي ٤ : ٥٨ ـ ٢٠٧.