وإنّما اللعب والعبث في تحصيل القطع بتحقّقه والعلم بامتثال الأمر ، فإنّ له طريقين : أحدهما : السؤال عن العالم مثلا ، وهو طريق عقلائي ، والآخر : التكرار الّذي ليس طريقا عقلائيّا فرضا ، فلو فرضت اللغويّة والعبثيّة فإنّما هي في كيفيّة تحصيل القطع بالامتثال لا في نفس الامتثال ولا في كيفية الامتثال.
ومن جميع ما ذكر ظهر أنّه لا يعتبر في حسن الاحتياط شيء ، وظهر أيضا أنّ ما نسب شيخنا الأستاذ ـ قدسسره ـ إلى شيخنا الأنصاري ، وإلى أستاذه السيّد ـ وإن لم يذكره في حاشية نجاة العباد ـ من الفتوى بلزوم الإتيان أوّلا بما هو وظيفته الآن بحسب تقليده من القصر والإتمام ثمّ الاحتياط بالآخر (١) ، ليس على ما ينبغي ، بل يتحقّق الاحتياط ويحسن سواء قدّم ما أدّى إليه الطريق أو أخّره ، ضرورة أنّ معنى حجّيّة الطريق ليس إلّا جواز الاقتصار على ما أدّى إليه ، وعدم جواز الاكتفاء بخلافه ، وليس مقتضاه منع المكلّف عن العمل بخلافه حتى مع الإتيان بمؤدّاه بعد ذلك ، ولا يضرّ ذلك بقصد الوجوب أيضا ، فإنّ ما أدّى الطريق إلى وجوبه لا يخرج عن الوجوب بإتيان ما يحتمل وجوبه ولم يؤدّ إليه الطريق أوّلا ، بل بعد على وجوبه ، فيمكن للمكلّف إتيانه بقصد الوجوب كما هو ظاهر. هذا كلّه في شرائط الاحتياط.
وأمّا البراءة : فالعقليّة منها لا ينبغي الريب في عدم جريانها قبل الفحص ، ضرورة عدم تحقّق موضوعها الّذي هو عدم البيان ، وقد مرّ أنّ المراد من البيان جعل التكاليف في محلّ يمكن للمكلّف أن يصل إليه عادة ولو بالفحص ، فمع عدم الفحص لا يحرز موضوع حكم العقل بقبح العقاب.
وأمّا البراءة الشرعيّة : فأدلّتها وإن كانت مطلقة تشمل الشبهات قبل
__________________
(١) أجود التقريرات ٢ : ٣٢٢ ـ ٣٢٣.