وهذان الوجهان الأخيران ـ أي التقريب الثاني من تقريبي الدليل العقلي ، والوجه الأخير ـ هما العمدة في المقام.
ومن ذلك يظهر الكلام في الاستصحاب أيضا وأنّه ـ بناء على جريانه في الأحكام الكلّيّة ـ لا يجري إلّا بعد الفحص بمقتضى هذه الأخبار.
وأمّا التخيير العقلي فهو كالبراءة العقليّة في عدم استقلال العقل به قبل الفحص.
بقي في المقام أمران :
الأوّل : أنّ المقدّس الأردبيلي (١) ـ قدسسره ـ ذهب إلى أنّ التعلّم واجب نفسي تهيّئيّ ويستحقّ تاركه العقاب لو أدّى إلى المخالفة ، وتبعه على ذلك تلميذه صاحب المدارك (٢) ، ومال إليه بل اختاره أخيرا صاحب الكفاية (٣) قدسسرهما.
والمشهور على أنّ وجوبه مقدّمي. وهو الظاهر من ظواهر الأخبار ، فإنّ قوله عليهالسلام أوّلا : «هلّا عملت» وبعد ذلك : «هلّا تعلّمت» (٤) له قوّة ظهور في أنّ العقاب على ترك الواقع ومخالفته لا على ترك التعلّم ، وأنّ التعلّم واجب مقدّمة للعمل.
وعلى كلّ حال لا إشكال في استحقاق العقاب على المخالفة عند ترك التعلّم في غير الواجبات المشروطة والموقّتة ، وأمّا فيها فلا إشكال أيضا إن لم يكن ترك التعلّم سببا للعجز عن الامتثال بعد الوقت وبعد حصول الشرط ، ولا سببا لإحراز الامتثال بعد ذلك ، بل يمكن المكلّف أن يتعلّم بعد دخول
__________________
(١) مجمع الفائدة والبرهان ٢ : ١١٠.
(٢) مدارك الأحكام ٣ : ٢١٩.
(٣) كفاية الأصول : ٤٢٦.
(٤) أمالي المفيد : ٢٢٧ ـ ٢٢٨ ـ ٦ ، وعنها في البحار ٢ : ٢٩ ـ ١٠.