هذا ، وللنظر فيما أفاده من الفرق مجال واسع ، إذ الفرق بين موارد احتمال الاستطاعة وبلوغ النصاب وزيادة الربح عن مئونة السنة وأمثالها وبين غيرها من الموضوعات بعيد جدّاً ، فإنّ جميع الموضوعات لها أفراد واضحة جليّة لا يحتاج إلى الفحص ، ولها أيضا أفراد خفيّة لا يعلم بها إلّا بالفحص ، فكما أنّ هلال رمضان قد يكون ظاهرا وقد يكون خفيّا كذلك الاستطاعة قد تكون ظاهرة ، كما إذا ورث من مورّثه مالا كثيرا يعلم أنّه بمقدار الاستطاعة ، أو اتّجر تجارة عظيمة يعلم بأنّ ربحها بمقدار الاستطاعة ، وقد تكون خفيّة ، كما إذا كانت تجارته قليلة تدريجيّة يربح شيئا فشيئا ، ويتوقّف العلم بحصول الاستطاعة وعدمه على مراجعة الدفتر والحساب ، فلا بدّ من ورود دليل على وجوب الفحص من إجماع وغيره ، وإلّا فإطلاقات أدلّة البراءة محكّمة.
نعم ، في خصوص احتمال زيادة الربح عن مئونة السنة يجب الفحص ، لكن لا لأجل ما ذكر ، بل من جهة أنّ الخمس عند المشهور يتعلّق بالمال بمجرّد ظهور الربح ، واستثناء مئونة السنة رخّص إرفاقا للمالك ، فمقتضى القاعدة فيه هو استصحاب وجوب الخمس المتعلّق بالربح حتى يعلم بأنّه صرف في مئونة السنة ، بل اللازم هو الاحتياط حتى بعد الفحص وعدم انكشاف صرفه في مئونة السنة.
وأمّا ما أفاده من أنّ النّظر لا يعدّ فحصا عرفا : فهو وإن كان متينا إلّا أنّه لم يرد لفظ «الفحص» في رواية دلّت على عدم وجوب الفحص في الشبهات الموضوعيّة حتى نقول بأنّ الفحص لا يصدق على مجرّد النّظر ، فهو لازم ، بل أدلّة البراءة مطلقة شاملة لجميع الشبهات ، فتقييدها بوجوب الفحص أو النّظر يحتاج إلى دليل.
وبعبارة أخرى : لو كان مقتضى القاعدة الأوّلية في الشبهات وجوب