الفحص وورد دليل خاصّ على عدم وجوبه في خصوص الشبهات الموضوعيّة ، لكان لما أفاده مجال ، ولكنّ الأمر بالعكس ، فإنّ القاعدة تقتضي عدم وجوب الفحص ، وإنّما خرجنا عنها في خصوص الشبهات الحكميّة لدليل ، فأيّ مانع لشمول «رفع ما لا يعلمون» لمثل هذا الشاكّ الّذي يرتفع شكّه بمجرّد النّظر؟ وقد دلّت صحيحة زرارة (١) على عدم وجوب النّظر إلى الثوب للعلم بإصابته النجس وعدمها.
فانقدح عدم ظهور الفرق بين الشبهات الموضوعيّة في عدم وجوب الفحص وجريان البراءة قبل الفحص.
هذا كلّه فيما يرجع إلى أصل الفحص ، وأمّا مقدار الفحص فيما يجب فيه الفحص من جريان البراءة في الشبهات الحكميّة والتمسّك بالعامّ أو المطلق أو الخبر ، فالاحتمالات فيه ثلاثة : لزوم الفحص بمقدار يعلم معه بعدم الدليل أو المخصّص أو المقيّد أو المعارض. ولزومه بمقدار يحصل معه الاطمئنان بعدم ذلك بواسطة الرجوع إلى الأبواب المناسبة الذكرة. ولزومه بمقدار يحصل معه الظنّ بعدم ذلك.
وخيرها أوسطها ، إذ لا وجه لاعتبار العلم بذلك أصلا ، مع أنّه موجب للعسر الأكيد والحرج الشديد ، بل موجب لاختلال أمر الاستنباط ، ضرورة أنّ أحدا لا يقدر على استنباط حكم واحد بحيث يعلم بعدم وجود معارض لدليله فضلا عن استنباط مجموع الفقه ، وهكذا لا وجه للاكتفاء بمطلق الظنّ مع أنّه لا يغني من الحقّ شيئا ، فالصحيح هو اعتبار الاطمئنان الّذي هو طريق عقلائي يسلكها العقلاء في جميع أمورهم ، وقرّرهم الشارع صلىاللهعليهوآله على ذلك ، وهو
__________________
(١) التهذيب ١ : ٤٢١ ـ ١٣٣٥ ، الاستبصار ١ : ١٨٣ ـ ٦٤١ ، الوسائل ٣ : ٤٠٢ ، الباب ٧ من أبواب النجاسات ، الحديث ٢.