يحصل ـ كما ذكرنا ـ بالفحص والتتبّع في مظانّ وجوده من الأبواب المناسبة لذكره ، فإذا فعل ذلك المستنبط ، يحصل له اليأس عن الظفر به ، وهو ملازم لحصول الاطمئنان بالعدم عادة.
وأمّا احتمال وجود جملة في ذيل رواية مذكورة في باب الدّيات تكون قرينة على إرادة خلاف ظاهر رواية راجعة إلى باب الصلاة مذكورة في بابها فهو مجرّد احتمال عقليّ لا يعتني به العقلاء.
ثمّ إنّ الفاضل التوني ـ قدسسره ـ ذكر لجريان أصل البراءة شرطين آخرين :
أحدهما : أن لا يكون موجبا لتضرّر مسلم.
الثاني : أن لا يكون مثبتا لحكم آخر (١).
أمّا الشرط الأوّل : فالمراد منه ظاهرا ما ذكرنا سابقا من أنّ حديث الرفع وغيره من أدلّة البراءة النقليّة مسوق للامتنان على جميع الأمّة ، فإذا فرضنا أنّ جريان البراءة موجب للامتنان على شخص وسبب لتضرّر شخص مسلم آخر كما إذا شككنا في أنّ الإتلاف المأذون من قبل الشارع موجب للضمان ومشمول لأدلّة الضمان أو لا؟ لا يمكن إجراء البراءة عن الضمان ، فإنّه وإن كان امتنانا على المتلف إلّا أنّه خلاف الامتنان بالنسبة إلى المالك ، ولذا قلنا بأنّ رفع الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه وما اضطرّوا إليه ـ مع أنّه رفع واقعي ـ لا يوجب تقييد دليل «من أتلف مال الغير فهو له ضامن» الّذي بإطلاقه شامل للإتلاف الصادر عن خطأ أو نسيان أو عن اضطرار أو عن إكراه ، ولكنّه يوجب تقييد دليل «من أتى أهله في شهر رمضان فعليه الكفّارة» بغير ما كان الإتيان معنونا بأحد العناوين المذكورة من الخطأ والنسيان وغيرهما ممّا يكون الرفع بالقياس إليه
__________________
(١) الوافية : ١٩٣.