ادّعاء ولا تنزيل ، فالحرج منفي في عالم التشريع حقيقة وغير مجعول بلا عناية.
وقد تلخّص أنّ هنا محتملات في الحديث الشريف :
الأوّل : أن يكون المراد نفي الضرر غير المتدارك. وقد عرفت ما فيه.
الثاني : أنّ يكون إخبارا عن العدم الخارجي بادّعاء وجود المقتضي له ، وهو إلزام المولى بالترك ، وفقد المانع ، وهو عصيان العبد ، فإنّ إلزام المولى بشيء بمنزلة العلّة التامّة له بعد كون العبد في مقام الإطاعة والانقياد.
والحاصل : أن يكون إخبارا عن العدم الخارجي كناية عن كون الإضرار منهيّا عنه ، نظير الإخبار بوجود شيء خارجا كناية عن كونه مأمورا به ، كما في «يعيد صلاته».
وهذا الاحتمال وإن كان ممكنا معهودا كما ذكرنا إلّا أنّه خلاف الظاهر من وجهين :
أحدهما : من جهة وجود كلمة «في الإسلام» في بعض رواياته ، فإنّ ظاهره أنّ الضرر منفي في عالم التشريع.
ثانيهما : لزوم ارتكاب الادّعاء والتنزيل الّذي ليس عليه دليل.
الثالث : أن يكون إخبارا عن عدم الانطباق الخارجي وأنّ الغيبة مثلا لا تنطبق على غيبة من ألقى جلباب الحياء ، في مقام رفع الحكم عن المنفي ونفي الحرمة عن هذا الفرد من الغيبة.
الرابع : أن يكون إخبارا عن عدم ما كان ثابتا في الشرائع السابقة أو ما جرى عليه سيرة العقلاء في عالم التشريع نسخا أو ردعا.
وهذا أيضا خلاف ظاهر الحديث ، فإنّ الإضرار بالغير لم يكن ثابتا في الشرائع السابقة حتى يكون نسخا له ، ولا أمرا جاريا بين العقلاء حتى يكون ردعا لهم ، فإنّ كلّ عاقل لا يجوّز الإضرار بالنفس أو الغير ، بل يعدّه قبيحا.