ثمّ إنّ شيخنا الأستاذ قدسسره ـ على ما نسب إليه الشيخ موسى (١) رحمهالله ـ ذهب إلى أنّ دليل المحكوم لا بدّ من تقدّمه على دليل الحاكم زمانا بخلاف دليل المخصّص ، فإنّه يمكن أن يتقدّم على دليل العامّ ويمكن أن يتأخّر عنه.
ولا يخفى ما فيه ، إذ التقدّم رتبة ـ من حيث كون الشارح رتبته متأخّرة عمّا يشرحه ـ فنعم ، أمّا التقدّم زمانا فلا يعتبر أصلا ، ضرورة أنّه من الممكن أن يقول الشارع : أيّها الناس اعلموا أنّ الأحكام التي أجعلها بعد ذلك إذا كانت ضرريّة أو حرجيّة ، غير مجعولة ، واعلموا أنّ أحكام الشكّ التي أجعلها بعد ذلك لا تترتّب على شكّ كثير الشكّ.
فعلى هذا لو فرضنا أنّ دليل «لا ضرر» ورد في أواسط البعثة ، يرفع الأحكام الضرريّة المتأخّرة عن زمان الورود كما يرفع الأحكام المتقدّمة عليه ، ولا يلزم في نفي جميع الأحكام الضرريّة ورود «لا ضرر» آخر زمان البعثة بحيث يكون هذا الحكم آخر حكم صدر في الشريعة وهذه القضيّة أخرى قضيّة من قضايا رسول الله صلىاللهعليهوآله كما هو واضح.
أمّا الثالث من الأمور : فوجه تقديم دليل الحاكم ـ الّذي يكون ناظرا إلى عقد الوضع ـ على دليل المحكوم مع كون النسبة بينهما عموما من وجه ـ كما في «لا شكّ لكثير الشكّ» الناظر إلى دليل «من شكّ بين الثلاث والأربع» ـ أنّ دليل المحكوم يثبت الحكم لعنوان الشكّ على تقدير وجوده بنحو القضيّة الحقيقيّة ، ولا يتكفّل لإثبات وجود الموضوع ونفيه ، ودليل «لا شكّ لكثير الشكّ» ينفي الشكّ عن كثير الشكّ ، ويخرجه عن موضوع ذاك الدليل ، فكلّ من الحاكم والمحكوم في هذا القسم يتكفّل لإثبات شيء أو نفي شيء أجنبيّ عمّا يثبته أو
__________________
(١) انظر قاعدة لا ضرر (المطبوعة مع منية الطالب) : ٢٢٥.