هذا ، ولكن للإشكال في صحّة مثل الوضوء الضرري باعتقاد عدم الضرر مدفع ، وهو أنّ البطلان ـ كما ذكرنا ـ يبتني على أمرين : الالتزام بترشّح الحرمة عن العنوان التوليدي بما يتولّد منه ، والالتزام بحرمة إضرار النّفس. فالأولى تنقيح هذين الأمرين :
أمّا الأوّل : فقد مرّ تفصيله في مباحث الألفاظ ، وإجماله أنّ عنوان المحرّم مع ما يتولّد منه إن كانا في نظر العرف موجودين بوجود واحد وإن كان لهما وجودان متغايران بالدقّة الفلسفيّة ، يكون ما يتولّد منه أيضا محرّما ، وهذا كما في عنوان التعظيم المتولّد من القيام وعنوان الهتك المتولّد من الشتم مثلا ، فإنّ نفس القيام والشتم عند العرف تعظيم وهتك ، ولا يرون القيام موجودا والتعظيم موجودا آخر ، فإذا كان الوجود واحدا ، فالإيجاد أيضا واحد ، لتبعيّة الإيجاد للوجود وحدة وتعدّدا ، فإنّهما متّحدان بالذات متغايران بالاعتبار.
وإن كان لكلّ منهما وجود مغاير لوجود الآخر عرفا ، كعنوان إحراق الحطب المتولّد من إلقاء الحطب في النار ، لا تترشّح الحرمة منه إلى المتولّد منه ، فإنّ وجود المماسّة والملاقاة مع النار غير وجود الحرقة ، فإذا تعدّد الوجود ، تعدّد الإيجاد ، فالإحراق عبارة عن إيجاد الحرقة ، والإلقاء عبارة عن إيجاد الملاقاة بين الجسمين ، ومع تعدّد الإيجاد عرفا لا يسري الحكم من عنوان المحرّم إلى ما يتولّد منه.
وبالجملة ، في الفرض الأوّل يرى العرف ما يتولّد منه مصداقا للمحرّم ، بخلاف الثاني ، والمقام من قبيل الأوّل (١) ، فإنّ نفس أكل السمّ أو ما يوجب وجع
__________________
(١) أقول : الحقّ أنّ المقام من قبيل الثاني ، فإنّ الوضوء عبارة عن الغسلات والمسحات ، وهذا سبب وعلّة للضرر وهو الحمّى مثلا ، فإذا بنينا على عدم السراية في القسم الثاني ، فلا وجه لبطلان الوضوء بتعدّد عنوان الإضرار المحرّم والوضوء. (م).