الشريعة ، فلا يمكن الحكم بصحّة ما فيه الضرر والحرج في صورة التحمّل ، لتقيّد إطلاق الدليل الأوّلي بصورة عدم الضرر ، ومرفوعيّة الحكم الضرري على ما هو عليه ، ولا وجه لمرفوعيّة إلزامه فقط ، كما أنّ دليل المخصّص ، مثل «لا بأس بترك إكرام العالم الفاسق» يرفع وجوب إكرام العالم الفاسق المستفاد من «أكرم العلماء» على ما هو عليه ، لا أنّه يرفع إلزامه ويبقى مستحبّا.
نعم ، إذا كان الفعل الضرري مستحبّا نفسيّا وواجبا غيريّا ، كالوضوء والغسل ، لا مثل الصوم والقيام في الصلاة الضرريّين أو الحرجيّين ، نحكم بصحّته ، لأنّ دليل «لا ضرر» و «لا حرج» يرفعان الأحكام الإلزاميّة ، وأمّا الأحكام الترخيصيّة فلا ، إذ ليس في جعل مثل الاستحباب ـ مثلا ـ ضرر على المكلّف يرفع امتنانا ، بل جعله عين الامتنان ، فكون الفعل ضرريّا وذا مشقّة لا ينافي محبوبيّته ومقرّبيّته ، ولذا جعل النبي صلىاللهعليهوآله نفسه الزكيّة في مشقّة العبادة حتى نزل (طه. ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى)(١) فإذا كان الوضوء استحبابه النفسيّ باقيا على حاله حال الضرر والحرج أيضا ، فهو صحيح ، والصلاة معه صلاة متقيّدة بالطهارة ، فإنّه أحد الطهورين ، ولا ينافي ذلك تقيّد الأمر بالصلاة بعدم الوضوء بالخصوص بعد ما كان الوضوء طهورا ومحصّلا للتقيّد المعتبر في الصلاة.
والحاصل : أنّ الحكم غير الإلزاميّ حيث لا امتنان في رفعه ، بل الامتنان يقتضي جعله وإن كان ضرريّا ، فإذا فرضنا أنّ الوضوء ـ مثلا ـ مستحبّ نفسيّ ، فلا يرفع استحبابه حال الضرر ، وهو طهور ، فتصحّ الصلاة معه ، وهذا بخلاف مثل صوم شهر رمضان ، الّذي لا يكون مستحبّا نفسيّا ، فإنّه إذا كان ضرريّا ،
__________________
(١) طه : ١ و ٢.